الحبس الاحتياطي فى ضوء أحكام القانون
الحبس
الاحتياطى(1)
La Détention Provisoire
1- مفهوم الحبس الاحتياطى(2)
الحبس هو سلب حرية شخص متهم بارتكاب جريمة فترة من الزمن بإيداعه أحد السجون لحين إتمام تحقيق يجرى معه . والأصل فى الحبس باعتباره سلبا للحرية أنه عقوبة وبالتالى يجب ألا يوقع إلا بحكم قضائى بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها للمتهم ضمانات الدفاع عن نفسه ، وذلك إعمالا لأصل عام من أصول المحاكمات الجنائية ـ بل هو حق من حقوق الإنسان ـ ، هو أن الأصل فى الانسان البراءة . ومع ذلك أجازه المشرع للمحقق فى التحقيق الابتدائى بصفة احتياطية بمجرد أن يبدأ التحقيق أو أثناء سيره ، فالحبس الاحتياطى اجراء من اجراءات التحقيق(3) ويتعارض مع أصل البراءة المفترض فى الانسان(4) . فهو اجراء بالغ الخطورة يتعين أن يحيطه المشرغ بضمانات كبيرة ويتعين ألا يلجأ اليه المحقق إلا لضرورة ملحة .
وقد عرفت معظم تشريعات العالم نظام الحبس الاحتياطى مع اختلافات فى تطبيقه .
2- شروط الحبس الاحتياطى :
يشترط لصدور الأمر بالحبس الاحتياطى توافر عدة شروط :
(1) ثبوت الأمر بالكتابة : يشترط أن يثبت مصدر الأمر بالحبس الاحتياطى هذا الأمر فى محضره كتابة ويوقع عليه مصدر الأمر ، وبالتالى يجب أن يثبت الأمر بالإفراج عن المتهم كتابة أيضا(5) . وقد أوجبت المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل أمر الحبس الاحتياطى على اسم المتهم ولقبه وصناعته ومحل اقامته والتهمة المنسوبة إليه ومواد القانون المنطبقة على الواقعة وتاريخ صدور الأمر ، وأن يوقع عليه مصدر الأمر سواء كان القاضى أو وكيل النيابة وأن يوضع ختم المحكمة أو النيابة حسب الأحوال .
(2) صدور الأمر بالحبس الاحتياطى من جهة قضائية : يجب أن يصدر الأمر بالحبس الاحتياطى من سلطة التحقيق ( قاضى التحقيق أو النيابة العامة )(6) أو سلطة الحكم أى المحكمة . فلا يجوز صدوره من سلطة أدنى كمأمور الضبط القضائى . بل ولا يجوز ندبه لذلك . فإذا كانت سلطة التحقيق هى قاضى التحقيق وجب عليه أن يسمع أقوال النيابة ودفاع المتهم قبل إصدار الأمر ( م136 إجراءات معدلة بالقانون 145 لسنة 2006 ) وللنيابة العامة فى أى وقت أن تطلب حبس المتهم احتياطيا (م137) ولكن ليس للمدعى المدنى ولا المجنى عليه طلب حبس المتهم احتياطيا (م152 اجراءات ) ولا تسمع منه أقوال فى المناقشات المتعلقة بالافراج منه .
(3) الجريمة التى يصدر بشأنها الأمر : لا يجوز صدور الأمر بالحبس الاحتياطى إلا فى الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ( م134/1 من قانون الإجراءات الجنائية معدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 ) والعبرة فى هذه الجنح بالحد الأقصى المنصوص عليه فى القانون للعقوبة التى يجوز للمحكمة توقيعها على مرتكب الجريمة ، فإذا كان من الجائز للقاضى توقيع عقوبة الحبس مدة سنة جاز للمحقق إصدار الأمر بالحبس الاحتياطى ، ويكون هذا الحبس صحيحا حتى ولو حكم القاضى بعقوبة أقل من هذا الحد بل ولو حكم بالبراءة ، إذ العبرة بالعقوبة المنصوص عليها فى القانون لا بما يحكم به القاضى .
وعلى ذلك لا يجوز الحبس الاحتياطى فى الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط أو بالحبس الذى يقل الحد الأقصى له عن سنة ، ولكن يجوز الحبس الاحتياطى فى أية جريمة أخرى معاقب عليها بالحبس ولو بمدة أقل من هذا الحد إذا لم يكن للمتهم محل اقامة ثابت ومعروف فى مصر (م134/2 إجراءات جنائية ) تحوطا لخشية هروب المتهم .
والواقع أن تحديد سنة كحد أقصى للعقوبة ، لجواز الحبس الاحتياطى لا يزال محلا للنقد رغم تقدمه على الحال السابق عليه الذى كان يجيز الحبس الاحتياطى فى الجنح المعاقب عليه بالحبس أكثر من ثلاثة أشهر . فالحبس الاحتياطى اجراء خطير ، يجب ألا يتم اللجوء إليه إلا فى جرائم على جانب كبير من الأهمية . وقد أدى الوضع الحالى إلى الاسراف فى الحبس الاحتياطى دون مبرر لذلك ، بينما اشترطت بعض التشريعات الأجنبية لجواز الحبس الاحتياطى أن تكون الجريمة الصادر بشأنها الحبس معاقبا عليها بمدد أكبر من ذلك ، مثل التشريع الفرنسى(7) ، الذى لا يجيز الحبس الاحتياطى إلا فى الجرائم التى يصل الحد الأقصى للعقوبة فيها إلى ثلاث سنوات على الأقل . بل إن قانون تحقيق الجنايات الأهلى المصرى ذاته كان لا يجيز الحبس الاحتياطى إلا إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقب عليها كحد أقصى بالحبس سنتين على الأقل أو كانت جنحة من الجنح الواردة على سبيل الحصر فى المادة 36/ من هذا القانون(8) .
ولذلك نرى أنه يتعين أن ينص القانون على أن تكون الجرائم التى يجوز فيها الحبس الاحتياطى فى التشريع المصرى ـ فى الوقت الحاضر على الأقل ـ معاقبا عليها بالحبس الوجوبى الذى يزيد حده الأقصى على سنة واحدة أو الحبس التخييرى الذى تزيد مدته على سنتين .
حظر الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر والأحداث
وهناك بعض أحوال حظر فيها القانون الحبس الإحتياطى حتى ولو توافرت شروطه ، من ذلك ما نصت عليه المادة 41 من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة من أنه " لا يجوز الحبس الاحتياطى فى الجرائم التى تقع بواسطة الصحف إلا فى الجريمة المنصوص عليها فى المادة 179 من قانون العقوبات "(9). وحظر الحبس الاحتياطى فى الجرائم التى تقع بواسطة الصحف الغرض منه كفالة حرية الصحافة حتى لا يهدد أصحاب الرأى باجراء خطير مثل الحبس الاحتياطى . إلا أن هذا لا يمنع القبض على المتهم فى هذه الجرائم ، ذلـك أن المادة 130 من قانون الإجراءات الجنائية أجازت القبض على المتهم ولو كانت الجريمة مما لا يجوز فيها الحبس الاحتياطى فى الأحوال التى ذكرتها(10) ، فإذا وجه إلى المتهم باحدى هذه الجرائم أمر بالحضور فلم يمتثل ، فيجوز للمحقق إصدار أمر القبض عليه واحضاره ، ثم يصدر المحقق بعد سؤاله أمرا بالافراج عنه ، ولا يصدر أمرا بحبسه احتياطياً .
كذلك لا يجوز الحبس الاحتياطى بالنسبة للأحداث الذين تتجاوز أعمارهم خمس عشرة سنة وعلى ذلك نصت المادة 119 من القانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل من أنه لا يحبس احتياطيا الطفل الذى لم يبلغ خمس عشرة سنة ، ويجوز للنيابة العامة إيداعه إحدى دور الملاحظة مدة لا تزيد على أسبوع وتقديمه عند كل طلب اذا كانت ظروف الدعوى تستدعى التحفظ عليه ، على ألا تزيد مدة الايداع على أسبوع ما لم تأمر المحكمة بمدها وفقا لقواعد الحبس الاحتياطى المنصوص عليها فى قانون الإجراءات الجنائية ، ويجوز بدلا من الاجراء المنصوص عليه فى الفقرة السابقة الأمر بتسليم الطفل إلى أحد والديه أو لمن له الولاية عليه للمحافظة عليه وتقديمه عند كل طلب ، ويعاقب على الاخلال بهذا الواجب بغرامة لا تجاوز مائة جنيه . ومبرر حظر الحبس الاحتياطى بالنسبة للأحداث قائم فى أن هؤلاء غير قادرين على التأثير فى التحقيق كما أن خشية هربهم محدودة .
(4) تسبيب الأمر بالحبس الاحتياطى :
لم يكن المشرع المصرى يلزم سلطة الأمر بالحبس الاحتياطى أن تبين أسبابا محددة لاصدار أمرها بالحبس الاحتياطى ، وكنا قد انتقدنا هذا الوضع(11) . وقد تدخل المشرع مؤخرا بالقانون رقم 145 لسنة 2006 فحدد أسبابا للحبس الاحتياطى لا يجوز اصدار الأمر بالحبس إلا إذا توافر أحدها . فنصت المادة 134 من قانون الاجراءات الجنائية بعد تعديلها بهذا القانون على أنه " يجوز لقاضى التحقيق ، بعد استجواب المتهم أو فى حالة هربه ، إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ، والدلائل عليها كافية، أن يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطيا ، وذلك اذا توافرت احدى الحالات أو الدواعى الآتية :
1- إذا كانت الجريمة فى حالة تلبس ، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره .
2- الخشية من هروب المتهم .
3- خشية الاضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجنى عليه أو الشهود ، أو بالعبث فى الأدلة أو القرائن المادية ، أو باجراء اتفاقات مع باقى الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها .
4- توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذى قد يترتب على جسامة الجريمة .
ومع ذلك يجوز حبس المتهم احتياطيا إذا لم يكن له محل اقامة ثابت معروف فى مصر ، وكانت الجريمة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس .
والواقع أن هذه الأسباب ترتكز على أن الحبس الاحتياطى وسيلة تحوطية ضد احتمالات الاضرار بحسن سير التحقيق فهو يسهل على المحقق اجراء التحقيق ، لأنه يمكنه من أن يجد المتهم فى أى وقت كلما احتاج التحقيق إلى مواجهته بشىء أو بشهود أو اطلاعه على شىء . ولذلك لا يجوز أن يكون من أسباب الحبس الاحتياطى مجرد جسامة الجريمة المنسوب ارتكابها للمتهم .
وقد قيل أن قاعدة أن الأصل فى الانسان البراءة تجد أقصى تطبيق لها فى مرحلة المحاكمة حيث يفسر الشك لمصلحة المتهم ، أما فى مرحلة التحقيق الابتدائى فإن الشك يفسر ضده(12) . هذا بالإضافة إلى أن الحبس الاحتياطى يتيح الفرصة لتحقيق عادل إذ قد يكون للمتهم تأثير على حسن سير التحقيق سواء بإرهابه للشهود أو بمحاولة التدخل فى تقارير الخبراء أو غيرها . ومن جهة أخرى ، فإن الحبس الاحتياطى فيه حماية للمتهم من الاعتداء عليه من خصومه، وفيه ارضاء لنفسية المجنى عليه ، بل والمجتمع كله الساخط على مرتكب الجريمة .
ولكن الحبس الاحتياطى قد يكون فيه ما يحول دون تحقيق دفاع المتهم كاملا خاصة فى قضايا الأموال ، إذ قد يمكنه ـ دون غيره ـ لو كان طليقا ، أن يقدم للمحقق المستندات التى تنير الطريق له ، فضلا عما يصيبه من أضرار مادية وأدبية ، لذلك ، يجب على المحقق ألا يلجأ للحبس الاحتياطى إلا لضرورة، باعتباره استثناء على أصل البراءة المفترض فى كل انسان والمنصوص عليه فى الدستور . فيجب على المحقق قبل اصداره أمره بالحبس الاحتياطى أن يستوثق من توافر سبب من أسبابه وبانتهاء التحقيق الابتدائى ، تنتفى أسباب الحبس الاحتياطى الأساسية .
(5) وجود أدلة ضد المتهم : من شروط سلامة الأمر بالحبس الاحتياطى أن تكون أمام المحقق فى التحقيق أدلة كافية على نسبة الجريمة إلى المتهم سواء بوصفة فاعلا أصليا أو شريكا ( م134 أ.ج ) وقد استعمل المشرع كلمة الدلائل الكافية دون افصاح عن مقصده منها ، بمعنى هل تكفى الشبهات أو الدلائل أم يجب أن تكون هناك أدلة قوية على نسبة الجريمة إلى المتهم . الواقع أن التعرض لحريات الناس بالحبس أمر فى غاية الخطورة ، لذلك يجب أن تكون هناك أدلة بالفعل يقدر المحقق أنها لو رفعت للمحكمة فسوف تعتمد عليها فى الحكم بادانة المتهم ، أما الشبهات والدلائل فلا تكفى للحكم بالادانة ، ولذلك فما لم تكن هناك أدلة واضحة فلا يجوز للمحقق إصدار أمره بالحبس الاحتياطى ، وسندنا فى ذلك ، أنه إذا كان الحبس فى أصله عقوبة لا تصدر إلا بحكم قضائى وكان هذا الحكم لا يصدر إلا بناء على أدلة يقينية ، فإن الحبس الاحتياطى هو حبس أجيز استثناء بغير حكم ولكن بقرار من المحقق فلا أقل أن يكون مستندا فى نظر هذا المحقق على أدلة واضحة ، فإن لم يكن الأمر كذلك ، فلا ضير من تقديم المتهم إلى المحاكمة وهو مفرج عنه ، لتقضى المحكمة فى شأنه بما تشاء(13).
(6) ضرورة استجواب المتهم : نصت المادة 134 من قانون الاجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أنه " يجوز لقاضى التحقيق ، بعد استجواب المتهم أو فى حالة هربه إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ، والدلائل عليها كافية أن يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطياً " .
فطبقاً لهذا النص لا يجوز صدور الأمر بالحبس الاحتياطى إلا بعد استجواب المتهم ما لم يكن هارباً(14) ، ذلك أن استجواب المتهم قد يتيح له الفرصة لتفنيد الأدلة القائمة ضده ، فلا يرى المحقق مبرراً لحبسه احتياطياً . ولكن لا يشترط أن يتم حبس المتهم عقب استجوابه مباشرة ، بل يجوز ذلك فى أى وقت بعد استجوابه . ولا يشترط استجواب المتهم إذا كانت المحكمة هى التى أصدرت أمر الحبس الاحتياطى . إذ من المقرر أنه ليس للمحكمة أن تستوجب المتهم إلا إذا قيل ذلك ( م274/1 إجراءات جنائية ).
استثناء المتهم الهارب
استثنى المشرع من شرط استجواب المتهم قبل إصدار الأمر بحبسه احتياطيا حالة ما إذا كان المتهم هاربا ، فيجوز فى هذه الحالة أن يصدر أمر الحبس الاحتياطى من غير استجواب للمتهم . وهناك فارق بين المتهم الهارب والمتهم الغائب ، فلكى يعد المتهم هاربا لابد أن يصدر ضده أمر بحضوره فلا يحضر فيصدر أمر بضبطه واحضاره ويتعذر تنفيذه بسبب الهرب ، فإذا لم تتخذ معه هذه الإجراءات لا يمكن اعتباره هاربا ، وبالتالى لا يصح إصدار أمر بحبسه احتياطيا دون استجوابه فإذا صدر الأمر رغم ذلك وقع الأمر باطلا لصدوره دون استجواب المتهم ودون أن يكون هارباً .
(7) ابلاغ المحبوس احتياطيا بأسباب حبسه
نصت المادة 71 من الدستور على أن " يبلغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فورا ، ويكون له حق الاتصال بمن يرى ابلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون ، ويجب اعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه ، وله ولغيره التظلم أمام القضاء من الاجراء الذى قيد حريته الشخصية ، وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة ، وإلا وجب الافراج حتما " .
ونصت المادة 139/1 من قانون الإجراءات على أن " يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يحبس احتياطيا بأسباب القبض عليه أو حبسه ، ويكون له حق الاتصال بمن يرى ابلاغه بما وقع والاستعانة بمحام ، ويجب اعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة اليه " ( مضافة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 ) ويلاحظ أن نص الدستور اغفل النص على ابلاغ المحبوس احتياطيا بأسباب حبسه واكتفى بمن يقبض عليه أو يعتقل ، ولعل ما يبرر ذلك أنه لا يجوز اصدار الأمر بالحبس الاحتياطى إلا بعد استجواب المتهم الذى بالضرورة يواجه فيه المتهم بالتهمة المنسوبة إليه .
(8) بيانات أمر الحبس : يجب أن يتضمن أمر الحبس البيانات المنصوص عليها فى المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية وهى اسم المتهم ولقبه وصناعته ومحل إقامته والتهمة المنسوبة إليه وتاريخ الأمر وإمضاء القاضى والختم الرسمى " بالإضافة إلى تكليف مأمور السجن بتسلم المتهم ووضعه به ( م41/2 أ.ج ) .
وقد نصت المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أنه يجب على قاضى التحقيق قبل أن يصدر أمرا بالحبس أن يسمع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم ، ويجب أن يشتمل أمر الحبس على بيان الجريمة المسندة إلى المتهم والعقوبة المقررة لها والأسباب التى بنى عليها الأمر . ويسرى حكم هذه المادة على الأوامر التى تصدر بمد الحبس الاحتياطى وفقاً لأحكام هذا القانون .
(9) مدة الحبس الاحتياطى
أوجب الدستور على المشرع تحديد مدة الحبس الاحتياطى فنصت المادة 41/2 منه على أن " يحدد القانون مدة الحبس الاحتياطى " . وقد حدد قانون الإجراءات الجنائية مدة الحبس الاحتياطى بنصوص صريحة ويجب أن تتضمن الأمر بالحبس الاحتياطى المدة التى يحبس فيها المتهم . وتختلف مدة الحبس الاحتياطى الجائزة بحسب جهة التحقيق الآمرة به .
سلطة قاضى التحقيق : نصت المادة 142 فقرة أولى المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أن " ينتهى الحبس الاحتياطى بمضى خمسة عشر يوماً على حبس المتهم ، ومع ذلك يجوز لقاضى التحقيق ، قبل انقضاء تلك المدة ، وبعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم ، أن يصدر أمرا بمد الحبس مددا مماثلة بحيث لا تزيد مدة الحبس فى مجموعة على خمس وأربعين يوماً " . وعلى ذلك ، إذا كان قاضى التحقيق هو القائم بالتحقيق فإن له أن يأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة خمسة عشر يوماً ، وله تجديدها مدة أو مددا أخرى بحيث لا تزيد مجموع هذه المدد على 45 يوما ( م 142 إجراءات ) .
سلطة النيابة العامة : إذا كانت النيابة العامة هى التى تتولى التحقيق ، فقد نصت المادة 201 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة القانون رقم 145 لسنة 2006 على أن " يصدر الأمر بالحبس من النيابة العامة من وكيل نيابة على الأقل وذلك لمدة أقصاها أربعة أيام تالية للقبض على المتهم أو لتسليمه للنيابة العامة إذا كان مقبوضا عليه من قبل " . وهذا يعنى أن للنيابة العامة أن تصدر أمرا بحبس المتهم لمدة أقل من أربعة أيام ثم تجدد الحبس حتى يصل إلى أربعة أيام مع وجوب سماع أقوال المتهم عند المد ، ولكنه اجراء نادر فى العمل ، فالغالب أن تصدر النيابة العامة أمرا بحبس المتهم أربعة أيام .
وتبدأ مدة الحبس الاحتياطى من اليوم التالى للقبض على المتهم إذا كان أمر القبض صادرا من النيابة العامة ، فإذا كان القبض قد تم بمعرفة مأمور الضبط القضائى وتم تسليم المتهم إلى النيابة العامة فى خلال الأربع وعشرين ساعة المقررة لمأمور الضبط ، فيبدأ حساب الأربعة أيام الصادر بها أمر الحبس الاحتياطى من اليوم التالى لتسليم المقبوض عليه إلى النيابة العامة ( م 201 اجراءات ) .
وعبارة إذا كان مقبوضا عليه من قبل تعنى حالات القبض التى يقوم بها مأمور الضبط القضائى فى أحوال التلبس بالجريمة أو حالة صدور أمر من سلطة التحقيق بضبط المتهم وإحضاره ( 126و 127 ) أو القبض عليه ( م130 ) وذلك لما هو معلوم من أنه يجب على مأمور الضبط القضائى أن يعرض المتهم الذى قام بالقبض عليه على سلطة التحقيق فى خلال أربع وعشرين ساعة ولسلطة التحقيق أن تستجوبه فى خلال أربع وعشرين ساعة أخرى (م131) وقد رؤى بدء احتساب مدة الحبس الاحتياطى من وقت تسليمه للنيابة وليس من وقت استجوابه الذى قد يتأخر دون دخل من المتهم .
سلطة القاضى الجزئى : إذا أرادت النيابة مد مدة الحبس الاحتياطى وجب عليها قبل انقضاء مدة الأربعة أيام أى فى اليوم الرابع أو فى اليوم السابق عليه إذا كان الرابع عطلة رسمية أن تعرض المتهم مع مبررات مد حبسه الاحتياطى على القاضى الجزئى(15) ، فإذا رفض مد الحبس تعين على النيابة العامة الافراج عن المتهم فورا . ولا تجوز اعادة عرض أمر التجديد على قاض آخر ، أما إذا اقتنع القاضى بمبررات مد الحبس فله أن يمده لمدة أو لمدد متعاقبة بحيث لا يزيد مجموع مدد الحبس على خمسة وأربعين يوماً . فقد نصت المادة 202 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أن " وللقاضى مد الحبس الاحتياطى لمدة أو لمدد متعاقبة لا تجاوز كل منها خمس عشر يوماً ، وبحيث لا تزيد مدة الحبس الاحتياطى فى مجموعها على خمسة وأربعين يوماً " . وكان العمل قد جرى قبل التعديل الأخير على أن القاضى الجزئى له أن يأمر بمد الحبس الاحتياطى لمدة خمسة وأربعين يوماً دفعة واحدة . وكان هذا الوضع محل انتقاد من علماء القانون الجنائى ، وأصبح الآن غير جائز .
وذهبت التعليمات العامة للنيابات (م390) إلى أن مدة الخمسة والأربعين يوماً التى يصدر بها قرار القاضى الجزئى لا تدخل فيها مدة الأربعة أيام السابق صدور أمر بحبس المتهم فيها من النيابة العامة فنصت هذه المادة على أنه " للقاضى الجزئى مد الحبس الاحتياطى لمدة أو لمدد متعاقبة بحيث لا يزيد مجموع مدد الحبس ، بمعرفته ، على خمسة وأربعين يوماً " وقد انتقد هذا الرأى على أساس أن ورود عبارة نص المادة 202 من قانون الاجراءات الجنائية " بحيث لا يزيد مجموع مدد الحبس على خمسة وأربعين يوماً " تفيد دخول مدة الأربعة أيام التى أمرت بها النيابة العامة ضمن الخمسة والأربعين يوماً(16) . ولكن الصياغة الجديدة لنص المادة 202 أ.ج بعد تعديلها بالقانون رقم 145 لسنة 2006 تفيد أن مدة الحبس التى يأمر بها القاضى الجزئى بمفرده هى خمسة وأربعين يوماً .
سماع أقوال النيابة العامة والمتهم قبل مد الحبس
ويجب على القاضى الجزئى قبل أن يأمر بمد الحبس الاحتياطى أن يسمع أقوال النيابة العامة بوصفها الجهة طالبة المد ، وأقوال المتهم المحبوس ، فإذا لم تحضر النيابة المتهم أمام القاضى الجزئى لسماع أقواله دون مبرر تعين على القاضى أن يصدر أمره برفض طلب مد الحبس ، فإن لم يفعل وأمر بمد الحبس كان أمره باطلا . أما إن كان عدم حضور المتهم أمام القاضى بعذر كمرض أو خلافه أو حضر المتهم وطلب تأجيل سماع أقواله لسبب أو لآخر تحقيقا لمصلحته ، فللقاضى أن يصدر قراره بمد الحبس المدة الكافية لتحقيق الغرض من تأجيل سماع أقوال المتهم ، ثم يفصل بعد ذلك فى أمر مد الحبس الاحتياطى .
سلطة غرفة المشورة : وإذا استنفد القاضى الجزئى المدد المتاحة له لمد الحبس الاحيتاطى بأن بلغت هذه المدد خمسة وأربعين يوماً ، وتطلب التحقيق مد الحبس الاحتياطى زيادة على ذلك ، فيجب أن يعرض المتهم على محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى هيئة غرفة مشورة لتجديد الحبس ، ويكون ذلك بإرسال ملف القضية إلى المحامى العام للنيابة الكلية قبل انقضاء مدة الحبس بوقت يسمح له بعرضه على الغرفة طالبا منها مد الحبس ، وتملك غرفة المشورة اصدار الأمر بمد الحبس الاحتياطى مددا متعاقبة كل مرة لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً وبحد أقصى لهذه المدد ثلاثة أشهر وذلك بعد سماع أقوال المتهم والنيابة العامة ، ويكون لغرفة المشورة اصدار الأمر بالحبس الاحتياطى أيضا فى حالة إحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات فى غير دور الانعقاد .
2- إذا حكم من محكمة الموضوع التى أحيل لها المتهم بعدم الاختصاص إلى حين تعيين المحكمة المختصة ( م151/3 أ.ج ).
ويلاحظ أنه يجب عرض المتهم على سلطة تجديد الحبس الاحتياطى على حسب الأحوال ، قبل انتهاء مدة الحبس الصادر بها أمر حبسه ، والا سقط أمر الحبس وتعين الافراج عن المتهم فورا ، وإذا صادف أخر يوم فى مدة الحبس الاحتياطى يوم عطلة رسمية فلا يجوز امتداد مدة الحبس تلقائيا إلى أول يوم عمل بعد ذلك وانما يجب عرض المتهم قبل يوم العطلة الرسمية وإلا بطل الحبس وتعين الافراج عن المتهم .
3- الحبس الاحتياطى فى جنايات أمن الدولة والمفرقعات والأموال العامة
صدرت المادة 206 مكررا المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 وجرى نصها بالآتى " يكون لأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل ـ بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة ـ سلطات قاضى التحقيق فى تحقيق الجنايات المنصوص عليها فى الأبواب الأول والثانى والثانى مكررا والرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات ، ويكون لهم فضلاً عن ذلك سلطة محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة المبينة فى المادة (143) من هذا القانون فى تحقيق الجرائم المنصوص عليها فى القسم الأول من الباب الثانى المشار إليه بشرط ألا تزيد مدة الحبس فى كل مرة عن خمسة عشر يوماً ويكون لهؤلاء الأعضاء من تلك الدرجة سلطات قاضى التحقيق فيما عدا مدد الحبس الاحتياطى المنصوص عليها فى المادة (142) من هذا القانون ، وذلك فى تحقيق الجنايات المنصوص عليها فى الباب الثالث من الكتاب الثانى من قانون العقوبات " .
وجرائم الباب الأول من الكتاب الثانى من قانون العقوبات المشار إليها هى الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج وجرائم الباب الثانى من الكتاب الثانى من قانون العقوبات هى الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل ، وجرائم الباب الثانى مكررا من قانون العقوبات هى جنايات المفرقعات ، وجرائم الباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات هى جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر ، وقد اختص المشرع الجنايات من هذه الجرائم دون الجنح فوسع من سلطة أعضاء النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل فى تحقيقها بما فيها سلطة الأمر بالحبس الاحتياطى فأعطاهم سلطة قاضى التحقيق ، ومعنى ذلك أنه ليس ما يمنع من أن يكون لأعضاء النيابة دون درجة رئيس نيابة سلطة تحقيق هذه الجنايات ولكن فى حدود سلطات النيابة العامة دون قاضى التحقيق ، ودون سلطة فى الحبس الاحتياطى(17) . فإذا انتهت مدة الحبس الاحتياطى المقررة للنيابة العامة ورؤى استمرار الحبس فعلى النيابة العامة أن تعرض القضية على غرفة المشورة أو على محكمة الجنايات بحسب الأحوال طالبة مد الحبس ولكل من هاتين الجهتين أعمال سلطتها على النحو السابق ايضاحه بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم.
4- الحبس الاحتياطى فى جرائم الرشوة
أما جرائم الرشوة وهى الجنايات المنصوص عليها فى الباب الثالث من الكتاب الثانى من قانون العقوبات ، فإن المشرع وإن منح رؤساء النيابة سلطات قاضى التحقيق فى تحقيقها إلا أنه استثنى منها الحبس الاحتياطى فلم يجعل لهم فيها سوى سلطة النيابة العامة العادية .
5- التوسع فى سلطة النيابة العامة فى جرائم الإرهاب
طبقاً للفقرة الثانية من المادة 206 مكررا من قانون الاجراءات الجنائية السابق ايرادها منح المشرع أعضاء النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل سلطة محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى هيئة غرفة مشورة المبينة فى المادة (143) من قانون الإجراءات الجنائية(18) . فى تحقيق جرائم الإرهاب وهى المنصوص عليها فى القسم الأول من الباب الثانى من قانون العقوبات ، بما فيها الحبس الاحتياطى ويلاحظ أن المشرع قصر هذه السلطة على أعضاء النيابة من درجة رئيس نيابة على الأقل إلا أنه وضع قيدا لم يكن موجودا قبل ذلك ، وهو شرط ألا تزيد مدة الحبس فى كل مرة عن خمسة عشر يوماً .
6- الحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطى
وضع المشرع فى القانون رقم 145 لسنة 2006 حداً أقصى لمدد الحبس الاحتياطى إذا قضاها المتهم محبوساً ولم يكن التحقيق معه قد انتهى يجب أن يفرج عنه ، فنصت المادة 143 فقرة أخيرة من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أنه " لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطى على ثلاثة أشهر ، ما لم يكن المتهم قد أعلن باحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة فإذا كانت التهمة جنحة وكان التحقيق معه قد انتهى واحيل إلى المحكمة فيظل محبوسا بشرط أن تعرض النيابة العامة أمر الحبس خلال خمسة أيام على الأكثر من تاريخ الاعلان بالاحالة على المحكمة المختصة وفقاً لأحكام الفقرة الأولى من المادة 151 من القانون وإلا وجب الإفراج عن المتهم .
فإذا كانت التهمة المنسوبة إليه جناية ، فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطى على خمسة شهور إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة ، وإلا وجب الافراج عن المتهم .
وفى جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطى فى مرحلة التحقيق الابتدائى وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية ، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر فى الجنح وثمانية عشر شهرا فى الجنايات ، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هى السجن المؤبد أو الإعدام " .
ومع ذلك ، فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة ، إذا كان الحكم صادرا بالاعدام ، أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة خمسة وأربعين يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها فى الفقرة السابقة " (19) .
ونرى أن الحبس لا يجوز أن يتجاوز 18 شهرا فى الجنايات حتى لو كانت العقوبة المقررة للجريمة هى السجن المؤبد أو الإعدام إذا كانت محكمة الجنايات لا تملك الحكم بالحد الأقصى كما لو كان قد سبق الحكم على المتهم بعشر سنوات مثلا ونقض الحكم بناء على طعن المحكوم عليه وحده ، فإن محكمة الإعادة لا تملك أن تحكم عليه بأشد من الحكم الذى طعن فيه وهو عشر سنوات .
وغنى عن البيان أن من حالات الافراج الوجوبى عن المتهم قضاؤه الحد الأقصى للعقوبة للجريمة المنسوبة إليه وهى حالة لا تحتاج إلى النص عليها تشريعا لأن من المقرر أن مدة الحبس الاحتياطى تخصم من المدة التى يحكم بها على المتهم ، ومن غير الجائز الحكم عليه بأكثر من الحد الأقصى المقرر فى القانون .
وحرصا من المشرع على انهاء الحبس الاحتياطى فى أقرب وقت أوجبت المادة 143/1 من قانون الإجراءات الجنائية عرض الأوراق على النائب العام إذا انقضى على حبس المتهم احتياطيا ثلاثة شهور وذلك لاتخاذ الاجراءات التى يراها كفيلة للانتهاء من التحقيق . وهو إجراء لا يترتب على مخالفته بطلان ، ولا يعدو أن يكون تنبيها إلى أنه لا يصح أن يكون الاستمرار فى حبس المتهم احتياطيا راجعا إلى تراخى أو اهمال فى التحقيق الابتدائى . وهذه المادة وأن وردت فى التحقيق بمعرفة قاضى التحقيق ، إلا أنه لا يتصور إعمالها إلا إذا كانت النيابة هى التى تجرى التحقيق بمعرفتها لأنه لا إشراف للنائب العام على قضاة التحقيق .
وإذا كان التحقيق قد انتهى وصدر فيه أمر بالأوجه لاقامة الدعوى الجنائية وجب الافراج عن المتهم فورا . أما إذا كان المتهم قد تمت احالته إلى المحكمة محبوساً لمحاكمته ، فإن أمر حبسه والإفراج عنه يكون من شأن المحكمة التى أحيل للمحاكمة أمامها بالحد الأقصى السابق إيضاحه(20) .
7- بدائل الحبس الاحتياطى
أورد المشرع لأول مرة فى التعديل الجديد الصادر بالقانون رقم 145 لسنة 2006 بدائل للحبس الاحتياطى يمكن للمحقق أن يقررها بدلا من إصداره أمرا بحبس المتهم احتياطيا . فنصت المادة 201 المستبدلة على أن يجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطى أن تصدر بدلا منه أمرا بأحد التدابير الآتية :
1- إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه .
2- إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة فى أوقات محددة .
3- حظر ارتياد المتهم أماكن محددة .
فاذا خالف المتهم الالتزامات التى يفرضها التدبير ، جاز حبسه احتياطيا ويسرى فى شأن مدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها ذات القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطى(21) .
8- المدعى المدنى والحبس الاحتياطى
لم يشأ المشرع أن يجعل للمدعى بالحق المدنى " أو المجنى عليه " رأيا فى حبس المتهم احتياطيا على أساس أن دوره منحصر فى طلب التعويض المدنى إذا ثبت خطأ المتهم الذى تسبب فى أحداث ضرر له . فنصت المادة 152 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " لا يقبل من المجنى عليه أو من المدعى بالحقوق المدنية طلب حبس المتهم ولا تسمع منه أقوال فى المناقشات المتعلقة بالإفراج " والواقع أن هذا النص يتجاهل أمرا واقعا هو أن فى حبس المتهم احتياطيا ارضاء لشعور المجنى عليه والمدعى المدنى ، ولو أن هذا الأمر الواقع لا وجود له من الناحية القانونية البحتة .
9- الحبس الاحتياطى طبقاً لقانون الطوارىء
صدر القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارىء ونظم اجراءات جنائية خاصة لا تسرى إلا فى حالة الطوارىء . وقد أنشأت المادة "7" من هذا القانون محاكم تسمى محاكم أمن الدولة تختص بالفصل فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه . كما أجازت المادة "9" لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام . وقد نصت المادة "10" من هذا القانون على أنه " فيما عدا ما هو منصوص عليه من اجراءات وقواعد فى المواد التالية أو الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية تطبق أحكام القوانين المعمول بها على تحقيق القضايا التى تختص بالفصل فيها محاكم أمن الدولة واجراءات نظرها والحكم فيها وتنفيذ العقوبات المقضى بها . ويكون للنيابة العامة عند التحقيق كافة السلطات المخولة لها ولقاضى التحقيق ولغرفة الاتهام بمقتضى هذه القوانين "(22) . ولكن غرفة الاتهام قد ألغيب الآن ولم ينص قانون إلغائها على الجهة التى تؤول إليها سلطاتها فى الحبس الاحتياطى ، ومن ثم فلا يكون للنيابة العامة سوى سلطة قاضى التحقيق فى هذا النوع من الجرائم ، وهى الحبس حتى 45 يوما فقط بالإضافة إلى سلطتها الأصلية سواء كان ذلك فى الجنايات أو الجنح(23) .
10- الحبس المطلق
مما سبق يتضح أنه لا توجد جهة من الجهات القضائية سواء كانت النيابة العامة أو غيرها تملك حبس المتهم حبسا مطلقا أى دون تحديد مدة له . فقد كفل قانون الطوارىء تحديد سلطة كل جهة قضائية فى مدة الحبس الاحتياطى التى تملكها على نحو ما أوضحنا حالا . ولا يتبقى بعد ذلك إلا ما ورد النص عليه فى المادة (6) من قانون الطوارىء من سلطة القبض على المخالفين للأوامر التى تصدر طبقاً لأحكام قانون الطوارىء والجرائم المحددة فى هذه الأوامر . ولم يحدد النص مدة لبقاء المحبوس فى هذه الحال ولكنه أجاز للمحبوس التظلم من أمر حبسه إلى محكمة أمن الدولة المختصة كل ثلاثين يوماً(24) .
وتمثل هذه المادة خروجا على أحكام قانون الإجراءات الجنائية لعدم التزام النيابة العامة بعرض المتهم خلال مدة معينة على أية جهة قضائية لتجديد حبسه ، ويختلف نص هذه المادة عن نص المادة الثالثة من قانون الطوارىء من حيث أسباب القبض على المتهم فهى فى المادة الثالثة مجرد خطورة المقبوض عليه أو المعتقل على الأمن والنظام العام .
11- نظام التظلم من الحبس طبقاً لقانون الطوارىء
للمقبوض عليه أن يتظلم من أمر القبض عليه وحبسه فور القبض عليه فلم يشترط المشرع مضى أية مدة على القبض حتى يمكن التظلم ، ويكون التظلم كتابة من المقبوض عليه أو وكيله إلى رئيس محكمة الاستئناف لتحديد احدى دوائر محكمة أمن الدولة طوارىء لنظر التظلم إذا كانت الجريمة المنسوبة إلى المتظلم جناية ، فإذا كانت جنحة فإن التظلم يكون لرئيس المحكمة الابتدائية ، ويجب على المحكمة أن تفصل فى التظلم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمه وإلا أفرج عن المتهم ويكون من سلطة المحكمة رفض التظلم وحبس المتهم أو قبوله والافراج عنه ، ويكون قرار المحكمة نافذا ما لم يطعن عليه وزير الداخلية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدوره إذا كانت التهمة من جرائم أمن الدولة الداخلي أو الخارجى ، فإن كانت التهمة غير ذلك ، لا يكون لوزير الداخلية أن يطعن على قرار الإفراج .
وإذا ما طعن وزير الداخلية أحيل طعنه إلى دائرة أخرى من دوائر محكمة أمن الدولة طوارىء المختصة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديمه ، ويجب أن يفصل فيه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الاحالة وإلا تعين الافراج عن المتهم فورا ، ويكون قرار المحكمة فى هذه الحالة واجب النفاذ .
وفى جميع الأحوال يكون لمن رفض تظلمه أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضى ثلاثون يوما من تاريخ رفض التظلم .
12- نقد الحبس المطلق
وجه علماء القانون الجنائى النقد إلى نظام الحبس المطلق غير المحدد المدة لأنه أخطر من العقوبة ذاتها الصادرة بحكم قضائى بناء على ثبوت إدانة المتهم لأن كل حكم قضائى بعقوبة يتعين أن يكون محدد المدة ، بينما الحبس الاحتياطى المطلق يصدر فى شأن انسان من حقه أن يعتصم بأصل البراءة المنصوص عليه فى الدستور(25) .
ويتقيد الحبس طبقاً لقانون الطوارىء بحالات الإفراج الوجوبى من المتهم لقضائه المدد التى ورد النص عليها فى القانون رقم 145 لسنة 2006 .
13- الحبس الاحتياطى فى جرائم الكسب غير المشروع
خولت المادة (10) من القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع الهيئات القضائية المنصوص عليها فيها جميع الاختصاصات المقررة لسلطات التحقيق فى قانون الإجراءت الجنائية وذلك بالنسبة لجرائم الكسب غير المشروع ، ولما كانت سلطات التحقيق فى قانون الاجراءات الجنائية هى النيابة العامة وقاضى التحقيق فإنه يكون لهيئات الكسب غير المشروع سلطة الحبس الاحتياطى المخولة لقاضى التحقيق .
14- تنظيم التظلم أمام القضاء من أوامر الحبس الاحتياطى
على الرغم من خطورة الحبس الاحتياطى كاجراء ماس بالحرية ، وصدوره على نقيض أصل البراءة ، وما يترتب عليه من تقييد حرية انسان من غير حكم قضائى تثبت فيه ادانته ، إلا أن قانون الإجراءات الجنائية لم يكن ينظم وسيلة للتظلم من أوامر الحبس ولا الطعن فيها . ولاشك أن هذا الوضع ينطوى على مخالفة للدستور . ذلك أن المادة 71 من الدستور نصت على أن " يبلغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فوراً ويكون له حق الاتصال بمن يرى ابلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون ، ويجب اعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه ، وله ولغيره التظلم أمام القضاء من الإجراء الذى قيد حريته الشخصية ، وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة وإلا وجب الافراج حتماً " .
ويبين من هذا النص أن الدستور أوجب على المشرع تنظيم وسيلة التظلم من أوامر الحبس أمام القضاء . إذ أن القبض ليس إلا نوعاً من الحبس ولا خلاف بينهما سوى المدة المقررة لكل منهما(26) بل وقد قرر النص الدستورى حق التظلم ليس للمحبوس فقط بل لغيره من الناس وهو امعان فى ضمان الحريات ، لأن المشرع الدستورى تصور أن المحبوس قد لا يمكنه التظلم لسبب أو لآخر ، فأتاح ذلك لغيره حتى ولو لم يكن وكيلاً عن المحبوس(27) . كما لو كان من أقاربه أو أصدقائه أو من يهمهم أمره وإذا كانت المادة 139 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أن " يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يحبس احتياطيا بأسباب القبض عليه أو حبسه ، ويكون له حق الاتصال بمن يرى ابلاغه بما وقع والاستعانة بمحام ، ويجب إعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه " إلا أنه لم يكن ينظم طريقة التظلم من أمر القبض أو الحبس بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة . الواقع أن تنظيم طريقة التظلم أو الطعن فى أمر الحبس الاحتياطى هو الأهم . ذلك أن إبلاغ المحبوس احتياطيا بأسباب حبسه أمر مفترض من إيجاب استجوابه قبل حبسه احتياطياً ، ففي هذا الاستجواب يبلغ المحبوس بأسباب حبسه بل ويناقش تفصيلاً فى التهم الموجهة إليه(28) . ولم يكن المشرع يجيز للمتهم استئناف قرار قاضي التحقيق الذي يأمر بحبسه , بينما أجاز للنيابة العامة الطعن في أوامر قاضي التحقيق الصادرة بالإفراج عن المتهم في جناية , ( المادة 164اجراءات جنائية ) وهو أمر كان يثير شبهة عدم الدستورية في المادة 163 إجراءات جنائية قبل تعديلها لعدم المساواة في الأسلحة بين الخصوم ولتعارضها مع نص المادة 71 من الدستور والغريب أن القانون رقم 37 لسنة 1972عدل قانون الطوارىء فأعطي للمعتقل حق التظلم بعد مضي ثلاثين يوما من أمر الاعتقال أمام محكمة أمن الدولة العليا وأوجب علي المحكمة ان تفصل في هذا التظلم بقرار مسبب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم التظلم بعد سماع أقوال المعتقل وإلا تعين الإفراج عنه فورا ( المادة 3 مكررا المعدلة بالقانون رقم 50لسنة 1982) ورغم ذلك لم يكن للمحبوس احتياطيا في غير قانون الطوارىء هذا الحق وقد سبق أن انتقدنا هذا الوضع ودعونا المشرع للتدخل لتنفيذ الدستور بتضمين قانون الإجراءات الجنائية نصوصا تكفل تطبيق المادة 71من الدستور بوضع طريقة للتظلم القضائي من أمر الحبس الاحتياطي(29) .
15 ـ استئناف النيابة للأمر بالإفراج عن المتهم
نصت المادة 164/2 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 علي أن للنيابة وحدها أن تستأنف الأمر الصادر في جناية بالإفراج المؤقت عن المتهم المحبوس احتياطيا " ونصت المادة 165 أ.ج علي أن يكون هذا الاستئناف بتقرير في قلم الكتاب , ونصت المادة 166 أ.ج معدلة بالقانون 145لسنة 2006 علي أن ميعاد استئناف النيابة في الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 164 من هذا القانون أربعا وعشرين ساعة ويجب الفصل في الاستئناف خلال ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفعه .
16ـ استئناف المتهم للأمر الصادر بحبسه احتياطيا
تدخل المشرع لأول مرة ، فنظم طريقا للتظلم القضائي من أمر حبس المتهم احتياطيا إعمالا لنص المادة 71 من الدستور فتدخل بالقانون رقم 145 لسنة 2006 وأضاف فقرة جديدة للمادة 164 من قانون الإجراءات نصت علي أن " للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيا أو بمد هذا الحبس " كما أضاف فقرة إلي المادة 205 من قانون الإجراءات الجنائية جري نصها بأن " للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيا أو بمد هذا الحبس من القاضي الجزئي أو محكمة الجنح المستانفة منعقدة في غرفة المشورة " .
وعلي ذلك أصبح للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه أو بمد هذا الحبس أيا كانت الجهة مصدرة الأمر في التحقيق الابتدائي وسواء كانت الجريمة جناية أو جنحة ، ويتقرر حق المتهم في الاستئناف بمجرد صدور الأمر بالحبس دون انتظار لإعلانه بالأمر ، فقد نصت المادة 166 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 علي أن " يكون استئناف المتهم في أى وقت ، فإذا صدر قرار برفض استئنافه ، جاز له أن يتقدم باستئناف جديد كلما انقضت مدة ثلاثين يوما من تاريخ صدور قرار الرفض " وهكذا يكون القانون لم يقيد استئناف المتهم بأي ميعاد بينما قيد استئناف باقي الخصوم بعشرة أيام من تاريخ إعلان الأمر ويتم التقرير بالاستئناف من المتهم أو وكيله في قلم كتاب النيابة علي النموذج المعد لذلك (نموذج 13 ) .
الجهة المختصة بنظر الاستئناف
نصت المادة 167 الجديدة ( الفقرات الأولي والثانية والثالثة ) علي أن يرفع الاستئناف أمام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة إذا كان الأمر المستأنف صادرا من قاضي التحقيق بالحبس الاحتياطي أو بمده فإذا كان الأمر صادرا من تلك المحكمة ، يرفع الإستئناف إلي محكمة الجنايات منعقدة في غرفة مشورة , وإذا كان صادرا من محكمة الجنايات يرفع الاستئناف إلي الدائرة المختصة , ويرفع الاستئناف في غير هذه الحالات أمام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة إلا إذا كان الأمر المستأنف صادرا بأن لا وجه لإقامة الدعوى في جناية أو صادرا من هذه المحكمة بالإفراج عن المتهم فيرفع الاستئناف إلي محكمة الجنايات منعقدة فى غرفة المشورة .
ويلاحظ أن نص المادة 167 أ.ج حدد الجهة التي تنظر الاستئناف إذا كان الأمر المستأنف صادرا من قاضي التحقيق أو من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة أو من محكمة الجنايات منعقدة في غرفة مشورة , ولم يحدد الجهة التي تنظر الاستئناف إذا كان الأمر المستأنف صادرا من النيابة العامة . ولا نري أن ذلك يشكك في قابلية هذا الأمر للطعن علية بالاستئناف لأنه من جهة , جاء نص المادة 164 أ . ج في تقرير حق المتهم في الاستئناف عاما فقرر أن للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه دون قصره علي صدوره من جهة معينة ومن المقرر في أصول التفسير أن العام يفسر علي عمومه ولا تخصيص بغير مخصص , ومن جهة أخرى , فقد نصت المادة 167 أ.ج نفسها علي أن " . . . . ويرفع الاستئناف في غير هذه الحالات امام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة " مما يشير إلي وجود حالات استئناف أخري غير ما ذكرها النص , ولاشك أن من بينها الأوامر الصادرة من النيابة العامة خاصة وان المادة 199 من قانون الإجراءات الجنائية تضع قاعدة عامة هي أن النيابة العامة تباشر التحقيق في مواد الجنح والجنايات طبقا للأحكام المقررة لقاضي التحقيق .
فأي أمر حبس صادر من النيابة العامة يجوز استئنافه امام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى هيئة غرفة مشورة أيا كانت سلطة النيابة في مدة الحبس أي حتي في الحالات التي نصت عليها المادة 206 مكررا بعد تعديلها بالقانون رقم 145 لسنة 2006والتي منحت النيابة العامة سلطة غرفة المشورة في الحبس الاحتياطي والتحقيق في بعض الجرائم المحددة علي سبيل الحصر , لأن هذه المادة قصرت ما منحته للنيابة العامة من سلطات غرفة المشورة بصريح لفظها علي ما هو منصوص علية في المادة ( 143) وهي الحبس الاحتياطي والتحقيق دون باقي اختصاصات الغرفة ومنها نظر استئناف أوامر الحبس الصادرة من النيابة العامة وهو ما اختصت بتنظيمه المادة 167 من قانون الإجراءات الجنائية , فخطة المشرع فى تحديد الجهة المختصة بنظر استئناف أمر الحبس الاحتياطي هي ارتباطها بالجهة مصدرة أمر الحبس وليس بمدد هذا الحبس فإذا كانت هذه الجهة هي النيابة العامة أو قاضي التحقيق كانت محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة هي المختصة بنظر الطعن بالاستئناف علي الأوامر الصادرة من هذه الجهة أيا كانت مدة الحبس الصادرة ، بل أن أوامر الحبس الاحتياطي الصادرة بناء علي سلطات استثنائية للنيابة العامة مما نصت علية المادة 206 مكررا أ .ج تحتاج إلي رقابة قضائية أولي من غيرها من أوامر الحبس الاحتياطي لطول مدة الحبس المسموح بها .
فلا تختص محكمة الجنايات منعقدة في غرفة مشورة بنظر الطعن في أوامر الحبس الاحتياطي إلا إذا كان الأمر بالحبس صادرا من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة أو من مستشار التحقيق فقد نصت المادة 167 إجراءات جنائية علي انه إذا كان الذي تولي التحقيق مستشارا عملا بالمادة 65 من هذا القانون فلا يقبل الطعن في الأمر الصادر منه إلا إذا كان متعلقا بالاختصاص أو بأن لا وجه لإقامة الدعوى أو بالحبس الاحتياطي أو بمده أو بالإفراج المؤقت , ويكون الطعن امام محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة .
وتخصص دائرة أو أكثر من دوائر المحكمة الابتدائية أو محكمة الجنايات لنظر الاستئناف أوامر الحبس الاحتياطي أو الإفراج المؤقت المشار إليهما في هذه المادة .
استئناف أوامر الحبس الاحتياطي ومده والإفراج الصادرة من القاضي الجزئي ومحكمة الجنح المستأنفة
نصت المادة 168 ( الفقرتين الأولي والثانية ) المعدلة علي أن " ينفذ الأمر الصادر بالإفراج المؤقت عن المتهم المحبوس احتياطيا ما لم تستأنفه النيابة العامة في الميعاد المنصوص علية في المادة 166من هذا القانون. وللمحكمة المختصة بنظر الاستئناف أو تأمر بمد حبس المتهم طبقا لما هو مقرر في المادة 143من هذا القانون " .
كما نصت المادة 205فقرة ثانية معدلة علي أن " وللمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيا أو بمد هذا الحبس من القاضي الجزئي أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة ، وللنيابة العامة إذا استلزمت ضرورة التحقيق أن تستأنف الأمر الصادر من القاضي الجزئي أو من محكمة الجنح المستأنفة في غرفة المشورة بالإفراج عن المتهم المحبوس احتياطيا ، وتراعي في ذلك أحكام الفقرة الثانية من المادة 164 والمواد من 165 إلي 168 من هذا القانون " .
الفصل في الطعن خلال مدة معينة
استجاب المشرع لنص المادة 71 من الدستور التي أوجبت أن ينظم المشرع طريقة التظلم من أمر الحبس الاحتياطي خلال مدة معينة ، فنصت المادة 167 من قانون الإجراءات الجنائية الجديدة علي أنه " وفي جميع الأحوال يتعين الفصل في الطعن في أوامر الحبس الاحتياطي أو مده أو الإفراج المؤقت ، خلال ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفع الطعن ، وإلا وجب الإفراج عن المتهم " .
17 – اقتصار الطعن علي أوامر الحبس في مرحلة التحقيق الابتدائي
واضح من إيراد النصوص التي قررت حق الطعن في أوامر الحبس الاحتياطي وأوامر الإفراج عن المتهم بين النصوص الواردة في الفصل الثاني عشر من الباب الثالث من قانون الإجراءات الجنائية المخصص لاستئناف أوامر قاضي التحقيق والباب الرابع من قانون الإجراءات الجنائية المخصص للتحقيق بمعرفة النيابة العامة ، أن هذا الطعن لا يرد إلا علي أوامر الحبس الاحتياطي وأوامر الإفراج الصادرة فى مرحلة التحقيق الابتدائى فقط أما أوامر الحبس الاحتياطى من محكمة الموضوع أثناء نظرها للدعوى فلا يجوز استئنافها . وهو أمر نري انه يحتاج إلي معالجة تشريعية ، فلا بد من تقرير حق المتهم في الطعن علي أوامر الحبس الاحتياطي الصادرة من محكمة الموضوع ، سواء كانت محكمة الجنح أو محكمة الجنح المستأنفة أو محكمة الجنايات وقد دعا الي ذلك المؤتمر الدولي الثاني عشر لقانون العقوبات المنعقد في هامبورج بألمانيا في سبتمبر1979 ، فقد جاء في التوصية ( ج ) من توصيات هذا المؤتمر أنه " يجب أن يمكن المحبوس احتياطيا من الطعن علي الأمر بحبسه في الأدوار المختلفة التي تمر بها الدعوي الجنائية "
18 – بطلان الحبس الاحتياطي وأثره
وإذا لم تراع شروط الحبس الاحتياطي وقع هذا الحبس باطلا وترتب علي ذلك بطلان جميع الإجراءات التي اتخذت والمتهم محبوس حبسا باطلا(30) . ويتعين الإفراج عن المتهم فورا ، وعلي محكمة الموضوع ان تلتفت عن الدليل المستمد من تفتيش المتهم إذا استبان لها بطلان القبض علي المتهم وحبسه احتياطيا سواء لأن الدلائل لم تكن كافية أو لإغفال استجواب المتهم أو لبطلان استجوابه(31) 0 وقضي بأنه " لا ينال من سلامة اجراءات المحاكمة ما أمرت به المحكمة من حبس الطاعنين احتياطيا على ذمه الدعوى , اذ ان ذلك لا يعدو ان يكون استعمالا لحقها المقرر بالمادة 380 من قانون الاجراءات الجنائية , كما انه لا يقبل من الطاعن ما يثيره فى خصوص بطلان الحكم المطعون فيه لامتداد حبسه يومين بما يجاوز قرار المحكمة بحبسة والمتهم الاخر , ما دام الثابت ان محاميا حضر عنه بجلسة المحاكمة حال امتداد حبسه وشهد ذلك الاجراء دون ان يعترض هو او الطاعن على ذلك بشىء , الامر الذى يترتب عليه سقوط حقه فى الدفع بهذا البطلان على مقتضى ما نصت عليه المادة 333 من قانون الاجراءات الجنائية (32).
19- تنفيذ أمر الحبس الاحتياطى
تعتبر الأوامر التي تصدرها النيابة العامة واجبة التنفيذ في جميع أنحاء الجمهورية (م 129 أ0ج ) ومدة صلاحية أوامر النيابة لا تزيد علي ستة أشهر ،فلا يجوز تنفيذ أوامر الضبط والاحضار وأوامر الحبس الاحتياطي التي تصدرها النيابة العامة بعد مضي ستة أشهر من تاريخ صدورها ما لم تعتمدها النيابة لمدة أخري (م 201 أ0ج ) ويعني هذا أنه لا يجوز تجديد هذه الأوامر الا مرة واحدة(33) وقد قدر المشرع أنه في خلال الستة أشهر قد تتغير ظروف التحقيق ، ويتضح من هذا التغيير انه لم تعد ثمة حاجة لحبس المتهم0
ومتي صدر أمر الحبس فيجب أن يعلن للمتهم بمعرفة أحد المحضرين أو رجال السلطة العامة وتسلم له صورة منه ( 128 أ0ج ) وهذا الاعلان يتم في محل إقامة المتهم ما لم يكن هاربا فيعلن في الجهة الادراية 0 ويجب أن تسلم صورة أمر الحبس إلي مأمور السجن عند ايداع المتهم فيه ويجب علي هذا المأمور أن يوقع علي أصل الأمر بالاستلام ( م 138 أ0ج) 0 ويجب عليه أن يتأكد من أنه صادر ممن يملكه ( م241/2 إجراءات والمادة الخامسة من القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون)0
20- معاملة المحبوس احتياطيا داخل السجن
يعامل المحبوس احتياطيا أثناء الحبس معاملة خاصة أخف كثيرا من معاملة المحكوم عليهم بالادانة 0 فهو يقيم في أماكن غير تلك التي يقيم فيها من ينفذ حكما قضائيا بالحبس(34) ، وان كان من المأمول أن تنشأ مبان خاصة للمحبوسين احتياطيا ، كما يجوز للمحبوس احتياطيا أن يلبس ملابسه الخاصة ولا يلزم بلبس ملابس السجن ، كما يمكنه أن يستحضر غذاءه من خارج السجن أو أن يشتريه من داخل السجن ( المواد من 14ـ 16 قانون تنظيم السجون) كما يمكنه أن يرسل ويتلقي رسائل خاصة ، شرط إمكانية إطلاع إدارة السجن عليها(35) ويمكنه تلقي زيارات أيضا ، ولكن للمحقق أن يصدر أمرا بمنع اتصال المحبوس احتياطيا بغيره من الأفراد أيا كانوا سواء محبوسين أو غير محبوسين، سواء أخذ هذا الاتصال شكل الاتصال الشفوي أم الكتابي ، فهو يملك منع الاتصال بنوعيه كما يملك قصر الحظر علي نوع واحد فقط (36) 0
21ـ حظر اتصال رجال السلطة بالمحبوس احتياطيا
نصت المادة 140 من قانون الاجراءات الجنائية علي أنه يجب علي مأمور السجن عدم السماح لرجال السلطة بالاتصال بالمتهم المحبوس الا بناء علي تصريح كتابي من النيابة العامة 0 كما أوجبت ذات المادة في حالة السماح لأحد بالاتصال بالمحبوس ان يدون في دفاتر السجن اسم الشخص الذي سمح له بذلك ووقت المقابلة وتاريخ ومضمون اذن النيابة 0 والحكمة من هذا النص هي حماية المحبوس من اتصال رجال الشرطة وغيرهم به ومحاولة التأثير عليه(37) وقد نصت علي هذا الحكم أيضا المادة 79 من القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون 0 وقضي بأنه اذا حدث مثل هذا الاتصال فإنه لا يترتب عليه بطلان لذات الاتصال ، اذ كل ما يلحق به هو مظنة التأثير علي المتهم المحبوس وتقدير ذلك مرجعه الي محكمة الموضوع(38) 0
22ـ حق المدافع في الاتصال بالمتهم المحبوس
منح القانون المحقق أيا كان ، سواء كان قاضي التحقيق أو النيابة العامة في جميع الأحوال سلطة إصدار الأمر بمنع اتصال المحبوس بأي شخص سواء كان من المسجونين أو غيرهم ، فيملك اصدار الأمر بمنع الزيادة عن المتهم المحبوس 0 ولكن احتراما لحق الدفاع فقد استثني المشرع من هذا الحظر المدافع عن المتهم ، فأجاز له الاتصال دائما بالمتهم وان ينفرد به عند زيادته له أي بدون حضور أحد من الحراس أو من غيرهم 0 فقد يريد المتهم أن ينسق مع المدافع عنه خطة دفاعه التي يعتبرها سرية فسمح له القانون بذلك علي أساس أن حق الدفاع حق من حقوق الانسان يتعين احترامه0 وعلي ذلك ، فلا يجوز أن يجلس مع المتهم عند زيادة محاميه له في السجن ضابط السجن أو أي شخص أخر تحت أي ذريعة ولأي سبب حتى لو كانت اعتبارات أمنية 0 والمقصود بهذا الحظر ألا يسمع الغير أحاديث المتهم مع محاميه، فلا مانع من وجود الحارس في مكان يتيح له رؤية المحبوس مع المدافع عنه دون أن يتمكن من سماع حديثهما 0 فقد نصت المادة 141 أ 0ج علي أن "النيابة العامة ولقاضي التحقيق في القضايا التي يندب لتحقيقها في كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم المحبوس بغيره من المسجونين وبألا يزوره أحد وذلك بدون اخلال بحق المتهم بالاتصال دائما بالمدافع عنه بدون حضور أحد " ويلاحظ أن النص استعمل تعبير المدافع عنه ليتسع للمحامي وغيره كما لو كان أحد أقاربه الذين يجيز القانون لهم حق الدفاع عنه أو الخبير الاستشاري الذي يدافع عنه .
ومن هذا النص يبين أن المدافع عن المتهم لا يحتاج الي تصريح بزيارة المحبوس ويكفي ان يظهر لمآمور السجن شهادة من المحقق بأنه هو المدافع عن المتهم(39)0
23 ـ الإفراج المؤقت عن المحبوس احتياطياًliberté provisoir
يقصد بالافراج المؤقت السلطة الجوازية في اخلاء سبيل المتهم من الحبس الاحتياطي(40) وسبق أن بينا أن الحبس الاحتياطي نظام استثنائي ينطوي علي تقييد لحرية المتهم دون حكم قضائي صادر في دعوى جنائية ، لذلك وجب أن يكون هذا النظام مقروناً بالضرورات التي أملته0 لذلك كان لسلطة التحقيق أن تفرج عن المتهم في أى وقت سواء كانت قاضي التحقيق أو النيابة العامة فقد نصت المادة 144 من قانون الاجراءات الجنائية علي أن " لقاضي التحقيق في كل وقت سواء من تلقاء نفسه أو بناء علي طلب المتهم أن يأمر بعد سماع أقوال النيابة العامة ، بالافراج المؤقت عن المتهم إذا كان هو الذى أمر بحبسه احتياطياً ، على شرط أن يتعهد المتهم بالحضور كلما طلب ، و بألا يفر من تنفيذ الحكم الذى يمكن أن يصدر ضده . فإذا كان الأمر بالحبس الاحتياطى صادراً من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة بناء على استئناف النيابة العامة الأمر بالإفراج السابق صدوره من قاضى التحقيق ، فلا يجوز صدور أمر جديد بالإفراج إلا منها " كما نصت المادة 204 من قانون الإجراءات الجنائية على أن " للنيابة العامة الإفراج عن المتهم فى أى وقت بكفالة أو بغير كفالة " حتى ولو كان الحبس الاحتياطى قد جدد من سلطة أخرى بناء على طلبها (41).
والمتهم الذى يجوز الإفراج عنه مؤقتاً هو كل شخص وجه إليه الاتهام بارتكاب جريمة معينه ولو كان ذلك أثناء قيام مأمور الضبط القضائى بمهمة البحث عن الجرائم و مرتكبيها و جمع الاستدلالات التى تلزم لتحقيق الدعوى(42) ويكون قد صدر أمر من السلطة المختصة بحبسه احتياطيا .
ويبين من ذلك ، أنه يجوز الإفراج عن المتهم فى أى وقت إذا زالت الأسباب التى أدت إلى حبسه وأن سلطة التحقيق هى التى تقدر الدواعى المؤدية للإفراج عنه فإذا كانت هذه السلطة هى قاضى التحقيق سواء كان أمر الحبس صادرا منه أو من النيابة العامة اذا كانت باشرت التحقيق ان يتولاه هو ، فيشترط لإصدار أمره بالإفراج المؤقت ، الشروط الآتية :
1- أن يسمع القاضى أقوال النيابة العامة بشأن الإفراج المؤقت عن المتهم .
2- أن يتعهد المتهم بالحضور كلما طلب منه ذلك .
3- أن يتعهد بألا يفر من تنفيذ الحكم الذى يمكن أن يصدر ضده .
4- ألا يكون المتهم محبوساً بناء على سبق صدور أمر من محكمة الجنح المستأنفة ( منعقدة فى غرفة المشورة) بإلغاء أمر الإفراج الصادر من قاضى التحقيق ففى هذه الحالة لا يملك قاضى التحقيق الإفراج مرة ثانية عن المتهم ، ولكن تكون سلطة الإفراج محكمة الجنح المستأنفة .
5- يجب أن يعين المتهم محلاً له فى الجهة الكائن بها مركز المحكمة إن لم يكن مقيماً بها ، و ذلك قبل صدور الأمر بالإفراج عنه ( م 145 إجراءات ) .
24- سلطة محكمة الجنح المستأنفة فى الإفراج
لمحكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة مشورة الإفراج المؤقت عن المتهم فى نفس الأحوال التى تختص فيها بإصدار الأمر بالحبس الاحتياطى او امتداده وتصدر الغرفة أمرها بالإفراج حتى لو لم تكن هى الجهة التى أصدرت امرا بحبسه(43).
25- الإفراج بضمان أو بغير ضمان
عند إصدار أمر الإفراج المؤقت عن المتهم تملك الجهة التى أصدرت الأمر اشترط أن يكون الإفراج عنه بضمان أو بغير ضمان.وقد نصت على ذلك المادة 146 من قانون الإجراءات الجنائية " يجوز تعليق الإفراج المؤقت ، فى غير الأحوال التى يكون فيها واجباً حتماً ، على تقديم كفالة " .
وإذا كان النص يعطى سلطة التحقيق الحق المطلق فى إصدار أمر الإفراج مصحوبا بضمان أو بغير ضمان ، إلا أن الواقع أن سلطة التحقيق تراعى ان يكون الأمر بالإفراج بغير ضمان إذا كانت مبررات الحبس الاحتياطى قد زالت ، وتصدر أمرها بالإفراج مع الضمان إذا كانت مبررات الحبس الاحتياطى لا تزال قائمة و لكن خفت حدتها ، ويمكن أن يحل الحبس الاحتياطى ضمان آخر .
26- تعيين محل فى الجهة الكائن بها مركز المحكمة
اشترط القانون فى حالات الإفراج المؤقت عن المتهم ضرورة ان يعين المتهم محلا له فى الجهة الكائن بها مركز المحكمة حتى يمكن الاتصال به اذا تطلبت مصلحة التحقيق ذلك ، فقد نصت المادة 145 من قانون الإجراءات الجنائية على ان " فى غير الأحوال التى يكون فيها الإفراج واجبا حتما لا يفرج عن المتهم بضمان او بغير ضمان الا بعد ان يعين له محلا فى الجهة الكائن بها مركز المحكمة ان لم يكن مقيما فيها " ولا يشترط فى المحل الذى يعينه المتهم ان يمثل محل إقامة دائم له ، وإنما مجرد مكان يسهل الاتصال به فيه .
27- ضمانات الإفراج المؤقت
الضمان البديل عن الحبس الاحتياطى – فى غير حالات الإفراج الوجوبى – له ثلاث صور ، فإما أن يكون ضماناً شخصياً أو ضماناً مالياً، أو وضع المتهم تحت مراقبة الشرطة وإلزامه بالإقامة فى مكان معين. ويقصد بالضمان الشخصى أخذ تعهد على المتهم بالحضور وعدم الفرار كلما طلب منه ذلك وتعيين المكان الذى يقيم فيه(44) و هذا الضمان لم يرد به نص فى قانون الإجراءات الجنائية ، ولكن جرى عليه العمل ، بل أن العمل جرى على الإفراج بضمان وظيفة المتهم اذا كانت من الوظائف الهامة .
أما الضمان المالى فهو ما يطلق عليه الكفالة(45) . وهذه الكفالة تقدر مبلغها سلطة التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة حسب الأحوال، على أن يخصص فى الأمر الصادر بتقدير مبلغ الكفالة جزءاً منه ليكون جزاءً كافياً لتخلف المتهم عن الحضور فى أى إجراء من إجراءات التحقيق والدعوى والتقدم لتنفيذ الحكم والقيام بكافة الواجبات الأخرى التى تفرض عليه ويخصص الجزء الآخر لدفع المصاريف التى صرفتها الحكومة ثم العقوبات المالية التى قد يحكم بها على المتهم .
وإذا قدرت الكفالة بغير تخصيص ، اعتبرت ضماناً لقيام المتهم بواجب الحضور والواجبات الأخرى التى تفرض عليه وعدم التهرب من التنفيذ(46) (م 146/2 إجراءات ) و يجوز دفع مبلغ الكفالة من غير المتهم بإيداع المبلغ خزانة المحكمة نقداً كما يجوز قبول الكفالة فى صورة سندات حكومية أو مضمونة من الحكومة ويجوز أن تكون الكفالة شخصية بمعنى أن يتعهد شخص ملئ بدفع المبلغ المقدر للكفالة إذا أخل المتهم بشروط الإفراج و يؤخذ على الكفيل التعهد بدفع الكفالة فى محضر التحقيق أو بتقرير فى قلم الكتاب ويكون للمحضر أو التقرير قوة السند واجب التنفيذ ( م 147 إجراءات ) .
ويجوز للجهة المختصة بالإفراج سواء كانت سلطة التحقيق أو غيرها أن تلزم المتهم – بدل دفع الكفالة – بأن يقدم نفسه لمكتب الشرطة فى الأوقات التى تحددها له فى أمر الإفراج مع الأخذ فى الإعتبار ظروفه الخاصة ، بل إن لهذه السلطة طبقا للمادة 149 إجراءات أن تطلب من المفرج عنه ألا يقيم فى المكان الذى وقعت فيه الجريمة أو أن تحظر عليه إرتياد مكان معين(47) .
ومع ذلك فقد نصت المادة 204 من قانون الإجراءات الجنائية على ان " النيابة العامة أن تفرج عن المتهم فى أى وقت بكفالة او بغير كفالة " .
28- إلغاء أمر الإفراج و إعادة حبس المتهم
اذا صدر أمر بالإفراج عن المتهم ، فلا يجوز إعادة حبسه من جديد وإلغاء أمر الإفراج الصادر بشأنه الا إذا قويت الأدلة ضده بعد أن كانت ضعيفة كما لو ظهر شهود جدد أو ضبطت أشياء متعلقة بالجريمة ، أو كانت الأوراق محالة إلى خبير وورد تقرير الخبير يؤيد ادانته و كذلك إذا أخل بشروط الإفراج المفروضة عليه فى أمر الإفراج ، كما لو كان قد دعى للتحقيق فتخلف عن الحضور دون عذر او أخل بشروط المراقبة الخاصة ( م149) أو وجدت ظروف تستدعى اتخاذ هذا الإجراء ( م 150 إجراءات ) كما لو تبين صدور محاولات منه للتأثير على الشهود أو حاول الهرب ولا يعد من هذه الظروف الرغبة فى صيانة الأمن العام او الخوف من الاعتداء على المتهم او تهدئة الخواطر(48) . ويصدر إلغاء أمر الإفراج وإعادة الحبس من نفس الجهة التى سبق أن أمرت بالإفراج عنه بشرط أن تكون الدعوى لا زالت فى حوزتها وإلا فيكون إلغاء الإفراج من شأن الجهة التى أحيلت إليها الدعوى ، على أنه يجب مراعاة كافة شروط الحبس الاحتياطى قبل إصدار أمر الحبس الجديد بما فيها استجواب المتهم . فقد نصت المادة 150 معدلة بالقانون 145 لسنة 2006 من قانون الإجراءات الجنائية على أن " الأمر الصادر بالإفراج لا يمنع قاضى التحقيق من إصدار أمر جديد بالقبض على المتهم أو بحبسه إذا ظهرت أدلة جديدة ضده أو أخل بالشروط المفروضة عليه ، أوجدت ظروف تستدعى اتخاذ هذا الإجراء ، وذلك مع عدم الاخلال بأحكام المادة 143 من هذا القانون " والمقصود بذلك مراعاة مدد الحبس المنصوص عليها فى المادة 143 .
ويجب أن تراعى محكمة الموضوع فى اصدارها الحبس الاحتياطى نفس هذه القواعد إذا كان المتهم سبق حبسه والافراج عنه من سلطة التحقيق ، فلا يجوز لها أن تصدر أمرا بحبسه إلا إذا قويت الأدلة ضده عند التحقق أو باقى الشروط المنصوص عليها فى المادة 150 من قانون الإجراءات الجنائية . ولا يغير من ذلك النص فى المادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " لمحكمة الجنايات فى جميع الأحوال أن تأمر بالقبض على المتهم وإحضاره ، ولها أن تأمر بحبسه احتياطيا ، وأن تفرج بكفالة أو بغير كفالة عن المتهم المحبوس احتياطيا " إذ أن النص على أن حكمها يسرى " فى جميع الأحوال " يجب أن يفهم على أنه فى جميع الأحوال التى يسمح بها القانون(49) .
و ليس ما يمنع من إعادة الإفراج عن المتهم بعد إعادة حبسه(50) .
29- مدة الحبس الجديد
لم يبين المشرع فى نص المادة 150 من قانون الإجراءات الجنائية المدة التى يصدر بها أمر الحبس الجديد بعد الإفراج عن المتهم و نرى ان هذا يوحى بأنه يحيل على مدد الحبس التى سبق ان بينها فى الحبس الأول ، و على ذلك تعتبر مدة الحبس الجديدة مكملة لمدة الحبس السابقة و يتحقق بشأنه وجوب الإفراج عند اكتمال هذه المواد(51) بينما ذهب رأى إلى ان أمر الحبس الجديد مستقل عن الأمر السابق و ليس امتداد للأمر السابق(52) .
30- سلطة الحبس و الإفراج بعد إحالة المتهم للمحكمة
نصت المادة 151 من قانون الإجراءات الجنائية على انه " اذا أحيل المتهم إلى المحكمة يكون الإفراج عنه ان كان محبوسا أو حبسه ان كان مفرجا عنه من اختصاص الجهة المحال إليها ، وفى حالة الإحالة إلى محكمة الجنايات ، يكون الأمر فى غير دور الانعقاد من اختصاص محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة و فى حالة الحكم بعدم الاختصاص تكون محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة هى المختصة بالنظر فى طلب الإفراج أو الحبس إلى ان ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة " و نصت المادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية على انه " لمحكمة الجنايات فى جميع الأحوال ان تأمر بالقبض على المتهم و إحضاره ، ولها ان تأمر بحبسه احتياطيا وان تفرج بكفالة أو بغير كفالة عن المتهم المحبوس احتياطيا "
و يبدو ان هذا النص تريد لنص المادة 151 التى تعطى هذا الحق لجميع المحاكم .
31- الإفراج الوجوبى عن المتهم
يقصد بالإفراج الوجوبى الحالات التى يأمر فيها القانون بالإفراج عن المتهم المحبوس وجوباً ، بمعنى الا يترك أية سلطة تقديرية للجهة القائمة على الحبس الاحتياطى وفى هذه الحالات لا يلزم المتهم بأي شرط من شروط الإفراج المؤقت السابق التحدث عنها ، و كل مخالفة لأمر القانون فى هذه الحالة ينطوى على جريمة حبس إنسان دون وجه حق .
وتتحقق هذه الحالات فضلا عن وصول مدد الحبس الاحتياطى إلى الحد الذى نصت عليه المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 السابق إيضاحها ، فيما نصت عليه المادة 142/2 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه " فى مواد الجنح يجب الإفراج حتماً عن المتهم المقبوض عليه بعد مرور ثمانية أيام من تاريخ استجوابه اذا كان له محل إقامة معروف فى مصر وكان الحد الأقصى للعقوبة المقررة لا يتجاوز سنة واحدة ، ولم يكن عائداً و سبق الحكم عليه بالحبس أكثر من سنة " .
ويبين من هذا النص انه يجب الإفراج حتماً عن المتهم اذا توافرت الشروط الآتية مجتمعة ، فلا يكفى توافر بعضها دون البعض الآخر .
1- يجب أن يكون المتهم قد قضى فى الحبس الاحتياطى مدة ثمانية أيام تبدأ من يوم استجوابه السابق على حبسه احتياطياً ، أما المدة التى يكون المتهم قد قضاها مقبوضا عليه من النيابة العامة دون استجواب أو الأربع وعشرين ساعة التى تم احتجازه فيها فى الشرطة فلا تدخل فى الحساب .
2- يجب أن تكون الجريمة المحبوس من أجلها المتهم جنحة ، فإذا كانت جناية فلا يتحقق الشرط .
3- أن يكون الحد الأقصى للعقوبة فى هذه الجنحة لا يزيد على سنة(53) فإن تجاوز الحد الأقصى مدة السنة فلا يتحقق هذا الشرط ، و إنما يكون الإفراج عن المتهم فيها أمراً جوازياً ، حتى لو كان هذا التجاوز لمدة السنة نتيجة وجود ظرف مشدد للجريمة هو الذى رفع عقوبتها إلى أكثر من سنة ، إذ العبرة بالوصف القانونى للتهمة الموجهة للمتهم وما يترتب عليه من حد أقصى .
4- يجب أن يكون للمتهم محل إقامة معروف فى مصر. والمقصود بمحل الإقامة أن يكون له سكن دائم فى مصر و يثبت وجود محل إقامة للمتهم بكافة طرق الإثبات للمحقق سواء بتقديم بطاقة شخصية أو عائلية مثبت فيها محل الإقامة أو بغيرها من وسائل الإثبات .
5- يجب ألا يكون المتهم المحبوس عائداً للجريمة بسبب حكم قضى عليه بالحبس لمدة تزيد على سنة ويقع عبء إثبات ان المتهم عائد على عاتق النيابة العامة لان الأصل ان المتهم لا سوابق له ، و معلوم ان المتهم لا يملك إجبار إدارة تحقيق الشخصية على إرسال صحيفة سوابقه دون تأخير ، و لذلك ألزمت التعليمات العامة للنيابة أعضاء النيابة بطلب صحيفة سوابق المتهم عند إصدار الأمر بحبسه ( بند 60 من تعليمات النيابة العامة عن قانون الإجراءات الجنائية) ولذلك لا يجوز ان يتأخر الإفراج عن المتهم بسبب عدم ورود صحيفة سوابقه لاى لسبب لا يد له فيه و طبقاً للمادة 49 من قانون العقوبات يمكن أن يعتبر الشخص عائداً اذا كان قد حكم عليه بالحبس سنة أو أكثر ، ومن هنا فإن الإفراج يكون وجوبياً حتى ولو كان المتهم عائداً ما دام لم يسبق الحكم عليه بالحبس أكثر من سنة ولا فرق فى ذلك بين العود البسيط و العود المتكرر .
وغنى عن البيان أن الإفراج يكون وجوبيا اذا انقضت مدة الحبس السابق صدور أمر بها دون أن تجدد من السلطة المختصة ، أو إذا بلغت مدة الحبس الحد الأقصى المنصوص عليه فى المادة 143 إجراءات جنائية ، وكذلك حالة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى ، أو صدور حكم ببراءة المتهم ولا يجوز تعليق الإفراج الوجوبى على الكفالة ، أو تكليف المتهم بأى بديل من بدائل الحبس .
32- صدور الأمر بالإفراج الوجوبى
اذا تحقق موجب الإفراج الوجوبى سواء لاستنفاد الحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطى التى نصت عليها المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 ، أو لتحقق حالة المادة 142/2 من قانون الإجراءات الجنائية ، و الدعوى فى مرحلة التحقيق ، تلتزم النيابة العامة بإصدار الأمر بالإفراج عن المتهم ، فإذا كانت الدعوى فى مرحلة المحاكمة ، تلتزم المحكمة بإصدار أمرها بالإفراج عن المتهم خاصة فى حالة ما اذا كان المتهم قد أمضى فى الحبس مدة مساوية لمدة الحد الأقصى لعقوبة الجريمة التى حبس من أجلها ، وهى حالة و ان لم يرد بها نص قانونى الا إنها التطبيق الطبيعى لقواعد العدالة وقواعد خصم مدة الحبس الاحتياطى من مدة العقوبة التى سيقضى بها ، وفى حالة حجز الدعوى للحكم تعيد الدعوى للمرافعة و تأمر بالإفراج عن المتهم، وإذا كانت الدعوى أمام محكمة الجنايات فى غير دور الانعقاد تلتزم غرفة المشورة بإصدار هذا الأمر ، و نصت المادة 204 إجراءات جنائية على أن " للنيابة العامة أن تفرج عن المتهم فى أى وقت بكفالة أو بغير كفالة " .
ولا يتعارض ذلك مع ما نصت عليه المادة 151 إجراءات جنائية من أنه " اذا أحيل المتهم إلى المحكمة يكون الإفراج عنه ان كان محبوسا أو حبسه ان كان مفرجا عنه من اختصاص الجهة المحال إليها " لان هذا النص مقصود به حالة الإفراج الذى يحتاج إلى سلطة تقديرية ، أما الإفراج الوجوبى فهو ملزم لجميع السلطات و خاصة النيابة العامة التى أوجب القانون عليها التحقق من عدم وجود اى شخص محبوس بصفه غير قانونية ، فقد نصت المادة 43/2 من قانون الإجراءات الجنائية على انه " لكل من علم بوجود محبوس بصفه غير قانونية او فى محل غير مخصص للحبس ان يخطر احد أعضاء النيابة العامة – وعليه بمجرد علمه ان ينتقل فورا إلى المحل الموجود به المحبوس وأن يقوم بإجراء التحقيق وأن يأمر بالإفراج عن المحبوس بصفه غير قانونيه – وعليه ان يحرر محضرا بذلك " فإذا تبين عضو النيابة وجود محبوس بصفه غير قانونية ، بسبب إنها حالة من حالات الإفراج الوجوبى و كان ذلك بسبب صدور أمر من محكمة بحبسه ، فهو أما ان يفرج عن المتهم ، أو فى أقل القليل ، يأمر بعرض المحبوس على المحكمة التى أمرت بحبسه طالبا منها إصدار أمرها بالإفراج عنه .
وقد ذهب بعض العلماء إلى انه لا يجوز إعادة حبس المتهم بعد الإفراج عنه إفراجا وجوبيا(54) و يستثنى البعض من هذه الحالة ، حالة سقوط الحبس الأول لعدم التجديد فى الميعاد مما أوجب الإفراج ، فيجيزون إعادة حبس المتهم فى هذه الحال اذا توافرت أسباب الحبس(55) و يرى علماء آخرون عدم جواز إعادة الحبس بعد الإفراج الوجوبى الا فى حالة ما اذا كان سبب الإفراج الوجوبى هو صدور قرار بان لا وجه لإقامة الدعوى ثم ظهرت دلائل جديدة تستدعى إلغاءه والعودة إلى التحقيق ، فعندئذ يمكن العدول عن أمر الإفراج و إعادة حبس المتهم احتياطيا(56) وهو ما نؤيده لان مبرر إعادة الحبس فى هذه الحالة هو ذهاب مبرر الإفراج الوجوبى السابق.
33- تحول الحبس الاحتياطى إلى حبس تنفيذى
اذا ما قضى المتهم مدة الحبس الاحتياطى ثم تمت محاكمته و حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية أو بالغرامة فان المدة التى قضاها المتهم فى الحبس الاحتياطى والقبض تخصم من مدة العقوبة المحكوم بها و ينفذ عليه باقى المدة(57) ، فتنص المادة 482 إجراءات جنائية على أن " تبتدئ مدة العقوبة المقيدة للحرية من يوم القبض على المحكوم عليه بناء على الحكم الواجب التنفيذ مع مراعاة إنقاصها بمقدار مدة الحبس الاحتياطى ومدة القبض " و الواقع أن هذا الحكم تقرر مراعاة لاعتبارات العدالة فقط ، إذ الأصل أن الحبس الاحتياطى أو القبض ليس عقوبة ، ولكنها فى حقيقة الواقع سلب لحرية الشخص شأنهما فى ذلك شأن العقوبة السالبة للحرية من هنا اقتضت العدالة أن يتم خصمها منها تأسيساً على اعتبار أن الحبس الاحتياطى يمكن أن يعد تنفيذاً احتياطياً للعقوبة التى قد يحكم بها(58) و على ذلك يتحول الحبس الاحتياطى إلى حبس تنفيذى .
وخصم مدة الحبس الاحتياطى يكون من العقوبات السالبة للحرية التى يحكم بها على الشخص و كذلك من عقوبة الغرامة التى يحكم بها أيضاً فقد نصت المادة 23 من قانون العقوبات بعد تعديلها بالقانون رقم 174 لسنة 1998 على أنه " إذا حبس شخص احتياطيا و لم يحكم عليه الا بغرامة وجب أن ينقص منها عند التنفيذ خمسة جنيهات عن كل يوم من أيام الحبس المذكور ، وإذا حكم عليه بالحبس والغرامة معاً وكانت المدة التى قضاها فى الحبس الاحتياطى تزيد على مدة الحبس المحكوم به وجب أن يخصم من الغرامة المبلغ المذكور عن كل يوم من أيام الزيادة المذكورة "(59) و قد نصت المادة 484 إجراءات جنائية على أنه " إذا تعددت العقوبات المقيدة للحرية المحكوم بها على المتهم فيكون استنزال مدة الحبس الاحتياطى من العقوبة الأخف أولاً " فإذا كان قد حكم عليه بالحبس سنة و بالسجن ثلاث سنوات و كان قد حبس احتياطيا سنة و ستة أشهر فتستنزل مدة الحبس الاحتياطى من الحبس أولاً بمعنى انه يعتبر انه قد نفذ مدة الحبس سنة المحكوم بها عليه ثم تستنزل مدة الستة أشهر الباقية من مدة الثلاث سنوات سجن المحكوم فيها فلا يقضى منها سوى سنتين و نصف فقط .
34- تحول الحبس الاحتياطى إلى حبس تنفيذى لجريمة أخرى
قد يحدث أن يحبس متهم فى جريمة معينه مدة من الزمن حبسا احتياطيا ثم يحكم ببراءته من هذه الجريمة(60) ثم يتبين انه كان قد ارتكب جريمة أخرى ، لم يحبس احتياطيا بسببها ، ثم يصدر حكم بإدانته فيها ويحكم عليه بعقوبة الحبس فهل يجوز خصم مدة الحبس الاحتياطى التى قضاها على ذمة الجريمة التى حكم ببراءته منها من مدة الحبس التى حكم بها عليه فى الجريمة الأخرى التى لم يكن قد حبس احتياطيا من أجلها ؟ هذا ما أجابت عنه المادة 483 إجراءات جنائية بنصها على أنه " يجب خصم مدة الحبس الاحتياطى من المدة المحكوم بها فى أى جريمة أخرى يكون قد ارتكبها أو حقق معه فيها فى أثناء الحبس الاحتياطى " .
واشتراط أن تكون الجريمة الأخرى قد ارتكبت أو حقق معه فيها أثناء الحبس الاحتياطى حتى يمكن خصم مدة الحبس الاحتياطى من العقوبة المحكوم بها فى تلك الجريمة فيه تضييق غير مبرر لأنه اذا كانت علة عدم خصم مدة الحبس الاحتياطى من عقوبة جريمة سوف يرتكبها المتهم مفهومه و هى عدم التشجيع على ارتكاب الجرائم اعتمادا على أن له رصيدا من الحبس سوف يخصم مما يحكم به عليه فانه من غير المفهوم حرمان المتهم من خصم مدة الحبس الاحتياطى من عقوبة يحكم عليه بها بشأن جريمة وقعت منه قبل حبسه الاحتياطى لمجرد أنه لم يحقق معه بشأنها فى مدة الحبس الاحتياطى . وهو أمر يجافى العدالة . ذلك أن التحقيق مع المتهم فى هذه الجريمة أو عدم التحقيق معه فيها أثناء مدة الحبس الاحتياطى ، أمر لا يد له فيه و لكنه بيد سلطة التحقيق(61) وبذلك يكون النص قد جعل من التحقيق فى تلك الجريمة أثناء الحبس الاحتياطى مناطا لأمر ليس هو المناط فيه .
والجهة المختصة بمراعاة إجراء خصم مدة الحبس الاحتياطى من المدد المحكوم بها هى النيابة العامة بوصفها الجهة القائمة على تنفيذ الأحكام الجنائية و اذا ثار خلاف بين النيابة العامة و المحكوم عليه حول خصم مدة الحبس الاحتياطى و بالتالى تاريخ الإفراج عنه ، فإن الفصل فيه يكون للجهة التى أصدرت الحكم حتى لا تكون النيابة خصما و حكما(62) .
35- تحول الحبس التنفيذى إلى حبس احتياطى
قد يحدث أن يحكم على متهم بالحبس أو السجن كعقوبة لجريمة ارتكبها ثم يلغى هذا الحكم عند الطعن فيه بطريق النقض ، و تأمر محكمة النقض بإعادة محاكمته أمام دائرة أخرى محاكمة صحيحة عندئذ يكون المتهم قد قضى فى الحبس مدة العقوبة السابق الحكم بها عليه او جزء منها بالحكم الذى ألغى بمعرفة محكمة النقض . فما حكم هذه المدة عند إعادة محاكمته من جديد ؟
لاشك ان مدة الحبس التى قضاها تنفيذا للحكم الملغى تصبح بغير سند قانونى بعد إلغاء هذا الحكم .ولكن العدالة تأبى أن تضيع على المتهم مدة الحبس التى قضاها بسبب لا يد له فيه هو مخالفة الحكم الذى قضى بها للقانون ولذلك ، فإن مدة الحبس التى قضاها تنفيذا للحكم الملغى تتحول بقوة القانون إلى حبس احتياطى على ذمة هذه القضية ذلك أن الحبس الذى قضاه المحكوم عليه يفقده سنده القانونى كحبس تنفيذى بإلغاء الحكم الذى كان ينفذه و لكنه يتحول إلى إجراء آخر تتوافر فيه شروطه القانونية و هو الحبس الاحتياطى اى تعامل هذه المدة كما لو كانت قد أمر بها على هذا المتهم كحبس احتياطى فى انتظار الحكم الذى يصدر فى المحاكمة الجديدة ، و تطبق عليها جميع أحكام الحبس الاحتياطى من حيث المدة ومن حيث الخصم من العقوبة التى سيحكم بها عليه ، فمثلا لو كان الحكم قد صدر على المتهم بعقوبة الحبس ثلاث سنوات تم تنفيذها عليه ثم نقض الحكم و أعيدت محاكمته من جديد ، فلا يجوز للمحكمة الجديدة أن تبقيه فى الحبس الاحتياطى مدة نزيد على هذه المدة اذا كان الحكم قد ألغى بناء على طعن المتهم ، ولا مدة تزيد على الحد الأقصى للعقوبة اذا كان الحكم قد ألغى بناء على طعن النيابة العامة و تخضع لنفس القاعدة حالة من يقضى فى الحبس مدة تنفيذ حكم قضائى من الأحكام واجبة التنفيذ تنفيذا معجلا " كالحبس فى سرقة " ثم يقضى استئنافيا بإلغائه أو فى أقل القليل بتخفيض مدة العقوبة المحكوم بها، فتتحول مدة الحبس التنفيذى الذى قضاه المحكوم عليه إلى حبس احتياطى ، فيتم خصم هذه المدة من مدة الحبس التى يكون قد قضى بها عليه من أجل جريمة أخرى(63) .
36- الإفراج عن المتهم بعد نقض الحكم
يثور التساؤل هل يتعين الإفراج عن المتهم بعد نقض الحكم الذى أدانه اذا كان أمر الحبس صادرا من المحكمة التى نقض حكمها ؟؟ القاعدة أن هذا الأمر يرجع فيه إلى حالة المتهم التى قدم بها من النيابة العامة للمحاكمة الأولى فان كان قد قدم محبوسا لا يفرج عنه بنقض الحكم ويظل على حاله إلى حين عرضه على محكمة الإعادة وان كان المتهم قد قدم للمحاكمة الأولى مفرجا عنه بقرار من سلطة الاتهام , فيجب الإفراج عنه فوار بعد نقض حكم الإدانة وذلك كي يقدم إلى المحاكمة الثانية بنفس الحالة التي كان عليها عند تقديمه للمحاكمة الأولى , ولا يغير من ذلك ماهو مقرر من أن نقض الحكم مع إعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بالحالة التي كان عليها قبل صدور الحكم المنقوض , لان هذا الأصل المقرر لا يتناهى إلى الإجراءات التحفظية التى هي موقوتة بطبيعتها إلى حين صدور الحكم ممن أمر بها في موضوع الدعوى ولامشاحة في أن ملاك الأمر فيها يرجع أولا وأخيرا إلى محكمة الإعادة وحدها تتخذ فيها ما تراه مناسبا طبقا لحالة المتهم كما عرضتها سلطة الاتهام(64)0
وقد يحال المتهم إلى المحاكمة مع أمر من النيابة بالقبض عليه ولكن ينفذ هذا الأمر لمدة أكثر من 6 شهور فيسقط أمر القبض ويعد محالا للمحاكمة غير مقبوض عليه أى مفرجا عنه ثم يصدر أثناء المحاكمة أمر من المحكمة بالقبض عليه فينفذ هذا الأمر ويتم القبض عليه فعلا وتتم محاكمته , ثم يصدر حكم من محكمة النقض بنقض الحكم الذي صدر ضده فهذا الحكم من محكمة النقض يسقط الأمر الصادر من محكمة الموضوع بالقبض عليه بمجرد صدور حكم محكمة النقض بنقض هذا الحكم على النحو السابق إيضاحه وعند إعادة محاكمته يتعين الإفراج عنه فورا إلى أن تأمر المحكمة التي تعيد محاكمته باتخاذ ما تراه في شأنه(65)0
37- التعويض عن الحبس الاحتياطي التعسفى(66)
قد ينتهي التحقيق الذي أجرى مع المتهم الذي قضى فترة من الزمن في الحبس الاحتياطي إلى إصدار أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى , أو إصدار حكم من المحكمة ببراءته , أو بالحكم عليه بالحبس مع وقف التنفيذ !! وليس من شك في انه يكون قد ترتبت على حبسه احتياطيا أضرار بالغة له , فليس اعز على النسان من حريته التي يسلبها منه أجراء الحبس , فوق الإساءة البالغة لسمعة المحبوس , فضلا عن الأضرار المادية التي تترتب على تعطيل أعماله فترة حبسه , فثار البحث حول امكانية تعويض المحبوس عن هذه الأضرار 0
وقد أصدرت بعض الدول فعلا تشريعات تجيز الحكم بتعويض المحبوس احتياطيا في هذه الحالات(67) من ذلك القانون الفرنسي الصادر في 17 يولية سنة 1970 (المادتان 149 و150 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي ) فقد نص على حق التعويض لمن كان محلا للحبس الاحتياطي إذا انتهى التحقيق إلى قرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو قضى بالبراءة بحكم بات ولكنه لا يسرى في حالة الحكم بالإدانة مع وقف التنفيذ لأن حكم إيقاف التنفيذ لا يسرى إلا على المدة المستقبلة من الحبس , ولا يحكم ما سبق تنفيذه من حبس احتياطى 0 فضلا عن ضرورة إصابة المحبوس بضرر ظاهر أنه غير عادى وعلى درجة كبيرة من الخطورة واستلزام هذا الشرط جعل تطبيقه العملي أمرا محدودا ومع ذلك فتناول الصحافة لبعض القضايا جعل القضاء يحكم بهذا التعويض(68) .
وجعل المشرع الفرنسي الاختصاص بنظر التعويض عن الحبس الاحتياطي لهيئة مكونة من ثلاثة من مستشاري محكمة النقض يختارون سنويا بمعرفة هذه المحكمة, كما تضم الهيئة عضوا من أعضاء نيابة النقض(69) وعلى طالب التعويض أن يقدم طلبا فى خلال ستة أشهر من تاريخ صدور الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى أو صيرورة حكم البراءة باتا , ثم تحدد جلسة في غرفة المداولة يسمع فيها الطالب ومبررات طلبه 0 ويصدر قرار هذه الهيئة بغير تسبب , ولا يقبل الطعن أمام أية جهة من جهات الطعن المتاحة ضد الأحكام القضائية , ولا تلك الجهات المقررة للطعن في القرارات الإدارية فإذا صدر الأمر بالتعويض فإن الدولة هي التي تتحمل دفع هذا التعويض كنوع من نفقات العدالة الجنائية0
وفى مصر لا يوجد تشريع خاص يقر تعويض المحبوس احتياطيا حبسا تعسفيا عن الأضرار التي أصابته من هذا الحبس , ولم تصدر أحكام قضائية بهذا التعويض 0 وينتقد الفقه في مصر هذا الوضع على أساس أن القواعد العامة للقانون لا تحول دون الحكم بهذا التعويض , فمن سبل حماية حق الفرد في الحرية , تقرير الحق للمتهم الذي صدر حكم ببراءته أو أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى ، في الحصول على تعويض عن الأضرار التي أصابته من جراء حبسه احتياطيا(70) ونرى ضرورة صدور تشريع ينظم حق المتهم في التعويض المادي عن حبسه احتياطيا بدون وجه حق , كما هو الحال في التشريعات المتحضرة0
وأخيرا , تدخل المشرع في مصر بالقانون رقم 145 لسنة 2006 أضاف إلى قانون الإجراءات الجنائية مادة جديدة برقم 312 مكررا قرر فيها مبدأ التعويض الأدبى عن الحبس الاحتياطي فنصت على أن :" تلتزم النيابة العامة بنشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه احتياطيا , وكذلك كل أمر صادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله في جريدتين يوميتين واسعتى الانتشار على نفقة الحكومة ويكون النشر في الحالتين بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو احد ورثته , وبموافقة النيابة العامة في حالة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى 0 وتعمل الدولة على أن تكفل الحق في مبدأ التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي في الحالتين المشار اليهما في الفقرة السابقة وفقا للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قانون خاص " .
وبذلك يكون المشرع المصري اكتفى بالتعويض الأدبى المتمثل في نشر حكم البراءة أو الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى , وان كان النص الجديد قد طالب الدولة بأن تكفل الحق في التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي , وهو ما ندعو المشرع إلى الإسراع في تقريره بتشريع مستقل 0
38- سلطة الأمر بالمنع من السفر(71)
جرى العمل على أن يصدر النائب العام أو قاضى التحقيق أمرا بمنع بعض المتهمين من السفر كإجراء احتياطي(72) إلا أن هذا الأمر ليس له سند من القانون 0
فلا يعد اجراء تحقيق ولو كان صادرا بشأن تحقيق جنائي لأن الإجراءات الجنائية محكومة بقاعدة الشرعية الجنائية خاصة إذا كانت مقيدة للحرية وهذه القاعدة تفرض أن يكون لكل اجراء جنائي سنده من القانون0
وقد خلا قانون الإجراءات الجنائية وكل قانون آخر من نص يخول النائب العام أو المحقق بصفة عامة سلطة منع أى مواطن من السفر , فقرارات النائب العام بمنع أى شخص من السفر تفتقر إلى السند التشريعي ولذلك فإن الذي يحدث أن النائب العام بعد أن يصدر أمره بالمنع من السفر يرسل الأوراق إلى وزارة الداخلية ليصدر به قرار منها , وقد نظم وزير الداخلية بقرار منه إجراءات المنع من السفر فنص القرار رقم 2214 لسنة 1994 بشأن تنظيم قوائم المنوعين من السفر على الجهات التي يجوز لها طلب المنع من السفر ومن بينها المحاكم والنائب العام والمدعى العام الاشتراكي 000 الخ وتضمن قرار وزير الداخلية تفويض الإدارة العامة للجوازات والجنسية النظر فيما ما يرد لها من طلبات الجهات الاشتراكي 000 الخ وتضمن قرار وزير الداخلية تفويض الإدارة العامة للجوازات والجنسية النظر فيما ما يرد لها من طلبات الجهات التي حددها , كما انشأ لجنة للنظر في التظلمات التي ترد إليها من قرارات المنع من السفر , وبذلك يكون قرار النائب العام بالمنع من السفر مجرد طلب منه إلى وزير الداخلية ويكون القرار القانوني بالمنع من السفر صادرا من وزير الداخلية وليس من النائب العام لان الوزير يملك أن يستجيب أو لا يستجيب لطلب النائب العام في هذا الشأن , ولو كان للنائب العام الحق في المنع من السفر لما كان لجهة الإدارة سلطة تقديرية في هذا الطلب بينما جعلت المادة(3) من ذات قرار وزير الداخلية (بعد أن بينت المادة الأولى الجهات التي يجوز لها التقدم بهذه الطلبات ) سلطة البت في هذه الطلبات لمدير مصلحة وثائق السفر فنصت على أن توجه طلبات الأدراج على القوائم والرفع منها إلى مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية من ذات جهات الأدراج المبينة في المادة الأولى من هذا القرار وبذات القيود الواردة بها وتسلم هذه الطلبات إلى مدير إدارة القوائم بالمصلحة لاتخاذ اللازم نحوها ، ونصت في فقرتها الثانية على أن " ويكون لمدير مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية النظر في طلبات القيد بقوائم الممنوعين من مغادرة البلاد أو من الدخول إليها أو من الرفع من القوائم والبت فيها " وبهذا الحسم فان مدير مصلحة وثائق السفر هو صاحب السلطة النهائية في البت في هذه الطلبات وليس مقدموا الطلبات , وبالتالي يكون التكييف القانوني لقرار المنع من السفر هو انه قرار إدارى صادر من وزير الداخلية يقبل الطعن عليه أمام القضاء الادارى حتى ولو كان صادرا بناء على طلب النائب العام مادام يخضع في النهاية لتقدير وزير الداخلية(73) 0
ولا يغير من ذلك الوضع القانوني ما ورد في المادة 41 من الدستور من النص على أن " المنع من التنقل لا يكون إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة امن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة , وذلك وفقا لأحكام القانون " ذلك أنه من المقرر انه متى أحال الدستور لأعمال حكمه على صدور تشريع فلابد من انتظار صدور هذا التشريع وهذا ما عليه العلم والقضاء فقضت محكمة النقض بأن الأمر الصادر من القاضي بمنع الطاعن من السفر دون أن يكون هناك قانون ينظم ذلك مخالف للقانون , وذلك في واقعة تتحصل في أن أحد البنوك استصدر أمرا وقتيا قضائيا بمنع أشخاص من السفر بسبب مديونياتهم للبنك فقضت محكمة النقض بإلغاء هذا الأمر(74) كما ذهب علماء القانون إلى أنه في الحالات التي تطلب فيها الدستور صراحة " صدور قانون لتنظيم موضوع معين فانه يمتنع على أعضاء السلطة الإدارية تنظيم مثل هذا الموضوع بقرارات تصدر منهم 0 فإذا صدرت منهم مثل هذه القرارات , فإنها تكون معدومة لاعتداء السلطة الإدارية على المجال الذي جعله الدستور من الاختصاص المطلق للسلطة التشريعية , والذي لا يجوز لأى سلطة أخرى أن تتدخل فيه0 ويختلف الحكم في الحالات الأخرى التي اكتفى فيها المشرع الدستورى بتطلب استناد التصرف الذي تقوم به جهة الإدارة إلى قانون سابق , أو أن يتم ذلك التصرف متفقا مع الشروط التي تطلبها القانون فلا يجوز للسلطة الإدارية أن تتخذ مثل هذه التصرفات إلا إذا صدر القانون الذي يخولها هذا الحق, بحيث إذا صدر التصرف منها قبل صدور القانون , فانه يصير لذلك تصرفا معدوما , لأنها تكون بذلك قد تدخلت في عمل من اختصاص السلطة التشريعية وحدها 0 إما إذا كان القانون قد صدر , واتخذت السلطة الإدارية التصرف بالتطبيق له , ولكنها خالفت بصدد التصرف بعض الشروط التي نص عليها القانون , فإنها لا تكون بذلك قد خرجت على القاعدة العليا في الدولة , وتعد قراراتها – بناء على ذلك – قرارات باطلة فحسب(75)0
ولم تتخلف محكمة القضاء الادارى عن هذا المفهوم القانوني القضائي الفقهي السليم فقضت بتاريخ 23 نوفمبر 1999 بأن " الدستور عهد إلى قانون تصدر طبقا له الأوامر القضائية بالمنع من التنقل أو السفر على نحو ما ورد بالمادة 41 من الدستور أو بقانون ينظم الحق في الهجرة ومغادرة البلاد على ما جاء بالمادة 52 من الدستور(76) وأضافت المحكمة في حكم أخر وكان الأصل انه إذا ما قرر الدستور حقا عاما أو حرية عامة وأناط تنظيم استعمال هذا الحق أو ممارسة تلك الحرية بقانون ، فانه يلزم أن يكون ذلك القانون خاضعا لهيمنة الحكم الدستوري فلا يتغول عليه أو ينتقص منه(77)0
وأخيراً وفى حكم حديث جدا توجت المحكمة الدستورية العليا هذا القضاء بعدم دستورية نص المادة 8 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر , فيما تضمنه من تخويل وزير الداخلية بموافقة وزير الخارجية سلطة تحديد شروط منح جواز السفر , وكذلك عدم دستورية نص المادة 11 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه وبذلك لم يعد وزير الداخلية يملك سلطة منع أحد من السفر وسقطت كل قراراته الصادرة بتنظيم المنع من السفر , وأصبح هناك فراغ تشريعي في هذا الشأن ، وقالت المحكمة تبريرا لقضائها " إن الدستور بنصه في المادة 41 على أنها ( الحرية) مصونة ولا يجوز المساس بها " وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو 00 أو منعه من التنقل الا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة , وذلك وفقا لأحكام القانون " دل بذلك على أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة , وأن تقييدها دون مقتض مشروع , إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها , ويقوض صحيح بنياتها , وقد عهد الدستور بهذا النص إلى السلطة التشريعية دون غيرها بتقدير هذا المقتضى , ولازم ذلك, أن يكون تعيين شروط إصدار وثيقة السفر بيد هذه السلطة , والأصل فيها هو المنح, إستصحابا لأصل الحرية في الانتقال , والاستثناء هو المنع , وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاض , أو عضو نيابة عامة , يعهد إليه القانون بذلك دون تدخل من السلطة التنفيذية 000 ومقتضى هذا أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصا ما بتنظيم شئ مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور فيما تقدم , وأن هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين 000 وحيث أن نصي المادتين 8 و 11 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر بما تضمناه من تفويض وزير الداخلية في تحديد شروط منح جواز السفر. وتخويله سلطة رفض منح الجواز أو تجديده , وكذا سحبه بعد إعطائه , وإنما يتمخض عن تنصل المشرع من وضع الأسس العامة التي تنظم موضوع جوازات السفر بأكمله على الرغم من كونها الوسيلة الوحيدة لتمكين المواطن من مغادرة بلده والرجوع إليه , وارتباط ذلك ارتباطاً وثيقاً بالحقوق التي يكفلها الدستور في المواد 41 و50 و51 و52 , ومن ثم فان مسلك المشرع في هذا الشأن يكون مخالفا للدستور" (78).
وبذلك تكون المحكمة الدستورية العليا قد أكدت على أن المنع من السفر استثناء ، وأن هذا الاستثناء الذي يملكه القاضي أو عضو النيابة العامة لابد من أن يكون هناك قانون يعهد إليه بذلك ومما يؤكد هذا ويقطع في أن النائب العام ليس له سلطة المنع من السفر دون أن يصدر تشريع يعهد إليه بذلك ويضع لها تنظيما يمكن ممارستها من خلاله ، أن المشرع قد أصدر قانونا(79) بعد صدور الدستور اختص بالمنع من السفر جهة معينة غير النائب العام راعى فيه جليا ما سبق أن نبهت إليه محكمة القضاء الادارى من ضرورة وجود تنظيم دقيق للحق في حرية التنقل يتلاءم وسمو هذا الحق وبضمانات تليق به ، فنص المشرع على منح المدعى الاشتراكي وحده مجرد حق طلب المنع من السفر ووضع تنظيما بموجبه فرض على المدعى الاشتراكي أن يعرض طلبه على مستشار منتدب من محكمة القيم وهذا الأخير هو الذي له سلطة مؤقتة في إصدار الأمر بالمنع من السفر كما ورد بالقانون النص على ضمانة هامة هي أن يعرض الأمر بالمنع من السفر على محكمة القيم خلال ثلاثين يوما , وهى التي تفصل نهائيا في الأمر ، فنصت المادة 23 من القانون رقم 95 لسنة 1980 بإصدار قانون حماية القيم من العيب على أن " للمدعى العام الاشتراكي أن يطلب إلى المستشار المنتدب طبقا لحكم المادة 19 من هذا القانون إصدار أمر بمنع الشخص من مغادرة البلاد إذا اقتضت ذلك ظروف التحقيق . وعلى المدعى العام الاشتراكي أن يعرض الأمر والأسباب التي بنى عليها خلال ثلاثين يوما من تاريخ إصداره على محكمة القيم وإلا اعتبر الأمر كأن لم يكن. وعلى المحكمة أن تنظر فيه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ عرض الأمر عليها بعد إعلان المطلوب إصدار الأمر ضده, وتصدر المحكمة قرارها إما بإلغائه أو بتعديله أو باستمراره " هذا هو التنظيم التشريعي الذي أوجبه الدستور , ولو أرد المشرع أن يعطى الحق نفسه للنائب العام أو لأية جهة أخرى ما أعوزه النص على ذلك.
La Détention Provisoire
1- مفهوم الحبس الاحتياطى(2)
الحبس هو سلب حرية شخص متهم بارتكاب جريمة فترة من الزمن بإيداعه أحد السجون لحين إتمام تحقيق يجرى معه . والأصل فى الحبس باعتباره سلبا للحرية أنه عقوبة وبالتالى يجب ألا يوقع إلا بحكم قضائى بعد محاكمة عادلة تتوفر فيها للمتهم ضمانات الدفاع عن نفسه ، وذلك إعمالا لأصل عام من أصول المحاكمات الجنائية ـ بل هو حق من حقوق الإنسان ـ ، هو أن الأصل فى الانسان البراءة . ومع ذلك أجازه المشرع للمحقق فى التحقيق الابتدائى بصفة احتياطية بمجرد أن يبدأ التحقيق أو أثناء سيره ، فالحبس الاحتياطى اجراء من اجراءات التحقيق(3) ويتعارض مع أصل البراءة المفترض فى الانسان(4) . فهو اجراء بالغ الخطورة يتعين أن يحيطه المشرغ بضمانات كبيرة ويتعين ألا يلجأ اليه المحقق إلا لضرورة ملحة .
وقد عرفت معظم تشريعات العالم نظام الحبس الاحتياطى مع اختلافات فى تطبيقه .
2- شروط الحبس الاحتياطى :
يشترط لصدور الأمر بالحبس الاحتياطى توافر عدة شروط :
(1) ثبوت الأمر بالكتابة : يشترط أن يثبت مصدر الأمر بالحبس الاحتياطى هذا الأمر فى محضره كتابة ويوقع عليه مصدر الأمر ، وبالتالى يجب أن يثبت الأمر بالإفراج عن المتهم كتابة أيضا(5) . وقد أوجبت المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية أن يشتمل أمر الحبس الاحتياطى على اسم المتهم ولقبه وصناعته ومحل اقامته والتهمة المنسوبة إليه ومواد القانون المنطبقة على الواقعة وتاريخ صدور الأمر ، وأن يوقع عليه مصدر الأمر سواء كان القاضى أو وكيل النيابة وأن يوضع ختم المحكمة أو النيابة حسب الأحوال .
(2) صدور الأمر بالحبس الاحتياطى من جهة قضائية : يجب أن يصدر الأمر بالحبس الاحتياطى من سلطة التحقيق ( قاضى التحقيق أو النيابة العامة )(6) أو سلطة الحكم أى المحكمة . فلا يجوز صدوره من سلطة أدنى كمأمور الضبط القضائى . بل ولا يجوز ندبه لذلك . فإذا كانت سلطة التحقيق هى قاضى التحقيق وجب عليه أن يسمع أقوال النيابة ودفاع المتهم قبل إصدار الأمر ( م136 إجراءات معدلة بالقانون 145 لسنة 2006 ) وللنيابة العامة فى أى وقت أن تطلب حبس المتهم احتياطيا (م137) ولكن ليس للمدعى المدنى ولا المجنى عليه طلب حبس المتهم احتياطيا (م152 اجراءات ) ولا تسمع منه أقوال فى المناقشات المتعلقة بالافراج منه .
(3) الجريمة التى يصدر بشأنها الأمر : لا يجوز صدور الأمر بالحبس الاحتياطى إلا فى الجنايات والجنح المعاقب عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ( م134/1 من قانون الإجراءات الجنائية معدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 ) والعبرة فى هذه الجنح بالحد الأقصى المنصوص عليه فى القانون للعقوبة التى يجوز للمحكمة توقيعها على مرتكب الجريمة ، فإذا كان من الجائز للقاضى توقيع عقوبة الحبس مدة سنة جاز للمحقق إصدار الأمر بالحبس الاحتياطى ، ويكون هذا الحبس صحيحا حتى ولو حكم القاضى بعقوبة أقل من هذا الحد بل ولو حكم بالبراءة ، إذ العبرة بالعقوبة المنصوص عليها فى القانون لا بما يحكم به القاضى .
وعلى ذلك لا يجوز الحبس الاحتياطى فى الجنح المعاقب عليها بالغرامة فقط أو بالحبس الذى يقل الحد الأقصى له عن سنة ، ولكن يجوز الحبس الاحتياطى فى أية جريمة أخرى معاقب عليها بالحبس ولو بمدة أقل من هذا الحد إذا لم يكن للمتهم محل اقامة ثابت ومعروف فى مصر (م134/2 إجراءات جنائية ) تحوطا لخشية هروب المتهم .
والواقع أن تحديد سنة كحد أقصى للعقوبة ، لجواز الحبس الاحتياطى لا يزال محلا للنقد رغم تقدمه على الحال السابق عليه الذى كان يجيز الحبس الاحتياطى فى الجنح المعاقب عليه بالحبس أكثر من ثلاثة أشهر . فالحبس الاحتياطى اجراء خطير ، يجب ألا يتم اللجوء إليه إلا فى جرائم على جانب كبير من الأهمية . وقد أدى الوضع الحالى إلى الاسراف فى الحبس الاحتياطى دون مبرر لذلك ، بينما اشترطت بعض التشريعات الأجنبية لجواز الحبس الاحتياطى أن تكون الجريمة الصادر بشأنها الحبس معاقبا عليها بمدد أكبر من ذلك ، مثل التشريع الفرنسى(7) ، الذى لا يجيز الحبس الاحتياطى إلا فى الجرائم التى يصل الحد الأقصى للعقوبة فيها إلى ثلاث سنوات على الأقل . بل إن قانون تحقيق الجنايات الأهلى المصرى ذاته كان لا يجيز الحبس الاحتياطى إلا إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقب عليها كحد أقصى بالحبس سنتين على الأقل أو كانت جنحة من الجنح الواردة على سبيل الحصر فى المادة 36/ من هذا القانون(8) .
ولذلك نرى أنه يتعين أن ينص القانون على أن تكون الجرائم التى يجوز فيها الحبس الاحتياطى فى التشريع المصرى ـ فى الوقت الحاضر على الأقل ـ معاقبا عليها بالحبس الوجوبى الذى يزيد حده الأقصى على سنة واحدة أو الحبس التخييرى الذى تزيد مدته على سنتين .
حظر الحبس الاحتياطى فى جرائم النشر والأحداث
وهناك بعض أحوال حظر فيها القانون الحبس الإحتياطى حتى ولو توافرت شروطه ، من ذلك ما نصت عليه المادة 41 من القانون رقم 96 لسنة 1996 بشأن تنظيم الصحافة من أنه " لا يجوز الحبس الاحتياطى فى الجرائم التى تقع بواسطة الصحف إلا فى الجريمة المنصوص عليها فى المادة 179 من قانون العقوبات "(9). وحظر الحبس الاحتياطى فى الجرائم التى تقع بواسطة الصحف الغرض منه كفالة حرية الصحافة حتى لا يهدد أصحاب الرأى باجراء خطير مثل الحبس الاحتياطى . إلا أن هذا لا يمنع القبض على المتهم فى هذه الجرائم ، ذلـك أن المادة 130 من قانون الإجراءات الجنائية أجازت القبض على المتهم ولو كانت الجريمة مما لا يجوز فيها الحبس الاحتياطى فى الأحوال التى ذكرتها(10) ، فإذا وجه إلى المتهم باحدى هذه الجرائم أمر بالحضور فلم يمتثل ، فيجوز للمحقق إصدار أمر القبض عليه واحضاره ، ثم يصدر المحقق بعد سؤاله أمرا بالافراج عنه ، ولا يصدر أمرا بحبسه احتياطياً .
كذلك لا يجوز الحبس الاحتياطى بالنسبة للأحداث الذين تتجاوز أعمارهم خمس عشرة سنة وعلى ذلك نصت المادة 119 من القانون رقم 12 لسنة 1996 بإصدار قانون الطفل من أنه لا يحبس احتياطيا الطفل الذى لم يبلغ خمس عشرة سنة ، ويجوز للنيابة العامة إيداعه إحدى دور الملاحظة مدة لا تزيد على أسبوع وتقديمه عند كل طلب اذا كانت ظروف الدعوى تستدعى التحفظ عليه ، على ألا تزيد مدة الايداع على أسبوع ما لم تأمر المحكمة بمدها وفقا لقواعد الحبس الاحتياطى المنصوص عليها فى قانون الإجراءات الجنائية ، ويجوز بدلا من الاجراء المنصوص عليه فى الفقرة السابقة الأمر بتسليم الطفل إلى أحد والديه أو لمن له الولاية عليه للمحافظة عليه وتقديمه عند كل طلب ، ويعاقب على الاخلال بهذا الواجب بغرامة لا تجاوز مائة جنيه . ومبرر حظر الحبس الاحتياطى بالنسبة للأحداث قائم فى أن هؤلاء غير قادرين على التأثير فى التحقيق كما أن خشية هربهم محدودة .
(4) تسبيب الأمر بالحبس الاحتياطى :
لم يكن المشرع المصرى يلزم سلطة الأمر بالحبس الاحتياطى أن تبين أسبابا محددة لاصدار أمرها بالحبس الاحتياطى ، وكنا قد انتقدنا هذا الوضع(11) . وقد تدخل المشرع مؤخرا بالقانون رقم 145 لسنة 2006 فحدد أسبابا للحبس الاحتياطى لا يجوز اصدار الأمر بالحبس إلا إذا توافر أحدها . فنصت المادة 134 من قانون الاجراءات الجنائية بعد تعديلها بهذا القانون على أنه " يجوز لقاضى التحقيق ، بعد استجواب المتهم أو فى حالة هربه ، إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ، والدلائل عليها كافية، أن يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطيا ، وذلك اذا توافرت احدى الحالات أو الدواعى الآتية :
1- إذا كانت الجريمة فى حالة تلبس ، ويجب تنفيذ الحكم فيها فور صدوره .
2- الخشية من هروب المتهم .
3- خشية الاضرار بمصلحة التحقيق سواء بالتأثير على المجنى عليه أو الشهود ، أو بالعبث فى الأدلة أو القرائن المادية ، أو باجراء اتفاقات مع باقى الجناة لتغيير الحقيقة أو طمس معالمها .
4- توقى الإخلال الجسيم بالأمن والنظام العام الذى قد يترتب على جسامة الجريمة .
ومع ذلك يجوز حبس المتهم احتياطيا إذا لم يكن له محل اقامة ثابت معروف فى مصر ، وكانت الجريمة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس .
والواقع أن هذه الأسباب ترتكز على أن الحبس الاحتياطى وسيلة تحوطية ضد احتمالات الاضرار بحسن سير التحقيق فهو يسهل على المحقق اجراء التحقيق ، لأنه يمكنه من أن يجد المتهم فى أى وقت كلما احتاج التحقيق إلى مواجهته بشىء أو بشهود أو اطلاعه على شىء . ولذلك لا يجوز أن يكون من أسباب الحبس الاحتياطى مجرد جسامة الجريمة المنسوب ارتكابها للمتهم .
وقد قيل أن قاعدة أن الأصل فى الانسان البراءة تجد أقصى تطبيق لها فى مرحلة المحاكمة حيث يفسر الشك لمصلحة المتهم ، أما فى مرحلة التحقيق الابتدائى فإن الشك يفسر ضده(12) . هذا بالإضافة إلى أن الحبس الاحتياطى يتيح الفرصة لتحقيق عادل إذ قد يكون للمتهم تأثير على حسن سير التحقيق سواء بإرهابه للشهود أو بمحاولة التدخل فى تقارير الخبراء أو غيرها . ومن جهة أخرى ، فإن الحبس الاحتياطى فيه حماية للمتهم من الاعتداء عليه من خصومه، وفيه ارضاء لنفسية المجنى عليه ، بل والمجتمع كله الساخط على مرتكب الجريمة .
ولكن الحبس الاحتياطى قد يكون فيه ما يحول دون تحقيق دفاع المتهم كاملا خاصة فى قضايا الأموال ، إذ قد يمكنه ـ دون غيره ـ لو كان طليقا ، أن يقدم للمحقق المستندات التى تنير الطريق له ، فضلا عما يصيبه من أضرار مادية وأدبية ، لذلك ، يجب على المحقق ألا يلجأ للحبس الاحتياطى إلا لضرورة، باعتباره استثناء على أصل البراءة المفترض فى كل انسان والمنصوص عليه فى الدستور . فيجب على المحقق قبل اصداره أمره بالحبس الاحتياطى أن يستوثق من توافر سبب من أسبابه وبانتهاء التحقيق الابتدائى ، تنتفى أسباب الحبس الاحتياطى الأساسية .
(5) وجود أدلة ضد المتهم : من شروط سلامة الأمر بالحبس الاحتياطى أن تكون أمام المحقق فى التحقيق أدلة كافية على نسبة الجريمة إلى المتهم سواء بوصفة فاعلا أصليا أو شريكا ( م134 أ.ج ) وقد استعمل المشرع كلمة الدلائل الكافية دون افصاح عن مقصده منها ، بمعنى هل تكفى الشبهات أو الدلائل أم يجب أن تكون هناك أدلة قوية على نسبة الجريمة إلى المتهم . الواقع أن التعرض لحريات الناس بالحبس أمر فى غاية الخطورة ، لذلك يجب أن تكون هناك أدلة بالفعل يقدر المحقق أنها لو رفعت للمحكمة فسوف تعتمد عليها فى الحكم بادانة المتهم ، أما الشبهات والدلائل فلا تكفى للحكم بالادانة ، ولذلك فما لم تكن هناك أدلة واضحة فلا يجوز للمحقق إصدار أمره بالحبس الاحتياطى ، وسندنا فى ذلك ، أنه إذا كان الحبس فى أصله عقوبة لا تصدر إلا بحكم قضائى وكان هذا الحكم لا يصدر إلا بناء على أدلة يقينية ، فإن الحبس الاحتياطى هو حبس أجيز استثناء بغير حكم ولكن بقرار من المحقق فلا أقل أن يكون مستندا فى نظر هذا المحقق على أدلة واضحة ، فإن لم يكن الأمر كذلك ، فلا ضير من تقديم المتهم إلى المحاكمة وهو مفرج عنه ، لتقضى المحكمة فى شأنه بما تشاء(13).
(6) ضرورة استجواب المتهم : نصت المادة 134 من قانون الاجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أنه " يجوز لقاضى التحقيق ، بعد استجواب المتهم أو فى حالة هربه إذا كانت الواقعة جناية أو جنحة معاقبا عليها بالحبس لمدة لا تقل عن سنة ، والدلائل عليها كافية أن يصدر أمرا بحبس المتهم احتياطياً " .
فطبقاً لهذا النص لا يجوز صدور الأمر بالحبس الاحتياطى إلا بعد استجواب المتهم ما لم يكن هارباً(14) ، ذلك أن استجواب المتهم قد يتيح له الفرصة لتفنيد الأدلة القائمة ضده ، فلا يرى المحقق مبرراً لحبسه احتياطياً . ولكن لا يشترط أن يتم حبس المتهم عقب استجوابه مباشرة ، بل يجوز ذلك فى أى وقت بعد استجوابه . ولا يشترط استجواب المتهم إذا كانت المحكمة هى التى أصدرت أمر الحبس الاحتياطى . إذ من المقرر أنه ليس للمحكمة أن تستوجب المتهم إلا إذا قيل ذلك ( م274/1 إجراءات جنائية ).
استثناء المتهم الهارب
استثنى المشرع من شرط استجواب المتهم قبل إصدار الأمر بحبسه احتياطيا حالة ما إذا كان المتهم هاربا ، فيجوز فى هذه الحالة أن يصدر أمر الحبس الاحتياطى من غير استجواب للمتهم . وهناك فارق بين المتهم الهارب والمتهم الغائب ، فلكى يعد المتهم هاربا لابد أن يصدر ضده أمر بحضوره فلا يحضر فيصدر أمر بضبطه واحضاره ويتعذر تنفيذه بسبب الهرب ، فإذا لم تتخذ معه هذه الإجراءات لا يمكن اعتباره هاربا ، وبالتالى لا يصح إصدار أمر بحبسه احتياطيا دون استجوابه فإذا صدر الأمر رغم ذلك وقع الأمر باطلا لصدوره دون استجواب المتهم ودون أن يكون هارباً .
(7) ابلاغ المحبوس احتياطيا بأسباب حبسه
نصت المادة 71 من الدستور على أن " يبلغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فورا ، ويكون له حق الاتصال بمن يرى ابلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون ، ويجب اعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه ، وله ولغيره التظلم أمام القضاء من الاجراء الذى قيد حريته الشخصية ، وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة ، وإلا وجب الافراج حتما " .
ونصت المادة 139/1 من قانون الإجراءات على أن " يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يحبس احتياطيا بأسباب القبض عليه أو حبسه ، ويكون له حق الاتصال بمن يرى ابلاغه بما وقع والاستعانة بمحام ، ويجب اعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة اليه " ( مضافة بالقانون رقم 37 لسنة 1972 ) ويلاحظ أن نص الدستور اغفل النص على ابلاغ المحبوس احتياطيا بأسباب حبسه واكتفى بمن يقبض عليه أو يعتقل ، ولعل ما يبرر ذلك أنه لا يجوز اصدار الأمر بالحبس الاحتياطى إلا بعد استجواب المتهم الذى بالضرورة يواجه فيه المتهم بالتهمة المنسوبة إليه .
(8) بيانات أمر الحبس : يجب أن يتضمن أمر الحبس البيانات المنصوص عليها فى المادة 127 من قانون الإجراءات الجنائية وهى اسم المتهم ولقبه وصناعته ومحل إقامته والتهمة المنسوبة إليه وتاريخ الأمر وإمضاء القاضى والختم الرسمى " بالإضافة إلى تكليف مأمور السجن بتسلم المتهم ووضعه به ( م41/2 أ.ج ) .
وقد نصت المادة 136 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أنه يجب على قاضى التحقيق قبل أن يصدر أمرا بالحبس أن يسمع أقوال النيابة العامة ودفاع المتهم ، ويجب أن يشتمل أمر الحبس على بيان الجريمة المسندة إلى المتهم والعقوبة المقررة لها والأسباب التى بنى عليها الأمر . ويسرى حكم هذه المادة على الأوامر التى تصدر بمد الحبس الاحتياطى وفقاً لأحكام هذا القانون .
(9) مدة الحبس الاحتياطى
أوجب الدستور على المشرع تحديد مدة الحبس الاحتياطى فنصت المادة 41/2 منه على أن " يحدد القانون مدة الحبس الاحتياطى " . وقد حدد قانون الإجراءات الجنائية مدة الحبس الاحتياطى بنصوص صريحة ويجب أن تتضمن الأمر بالحبس الاحتياطى المدة التى يحبس فيها المتهم . وتختلف مدة الحبس الاحتياطى الجائزة بحسب جهة التحقيق الآمرة به .
سلطة قاضى التحقيق : نصت المادة 142 فقرة أولى المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أن " ينتهى الحبس الاحتياطى بمضى خمسة عشر يوماً على حبس المتهم ، ومع ذلك يجوز لقاضى التحقيق ، قبل انقضاء تلك المدة ، وبعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم ، أن يصدر أمرا بمد الحبس مددا مماثلة بحيث لا تزيد مدة الحبس فى مجموعة على خمس وأربعين يوماً " . وعلى ذلك ، إذا كان قاضى التحقيق هو القائم بالتحقيق فإن له أن يأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة خمسة عشر يوماً ، وله تجديدها مدة أو مددا أخرى بحيث لا تزيد مجموع هذه المدد على 45 يوما ( م 142 إجراءات ) .
سلطة النيابة العامة : إذا كانت النيابة العامة هى التى تتولى التحقيق ، فقد نصت المادة 201 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة القانون رقم 145 لسنة 2006 على أن " يصدر الأمر بالحبس من النيابة العامة من وكيل نيابة على الأقل وذلك لمدة أقصاها أربعة أيام تالية للقبض على المتهم أو لتسليمه للنيابة العامة إذا كان مقبوضا عليه من قبل " . وهذا يعنى أن للنيابة العامة أن تصدر أمرا بحبس المتهم لمدة أقل من أربعة أيام ثم تجدد الحبس حتى يصل إلى أربعة أيام مع وجوب سماع أقوال المتهم عند المد ، ولكنه اجراء نادر فى العمل ، فالغالب أن تصدر النيابة العامة أمرا بحبس المتهم أربعة أيام .
وتبدأ مدة الحبس الاحتياطى من اليوم التالى للقبض على المتهم إذا كان أمر القبض صادرا من النيابة العامة ، فإذا كان القبض قد تم بمعرفة مأمور الضبط القضائى وتم تسليم المتهم إلى النيابة العامة فى خلال الأربع وعشرين ساعة المقررة لمأمور الضبط ، فيبدأ حساب الأربعة أيام الصادر بها أمر الحبس الاحتياطى من اليوم التالى لتسليم المقبوض عليه إلى النيابة العامة ( م 201 اجراءات ) .
وعبارة إذا كان مقبوضا عليه من قبل تعنى حالات القبض التى يقوم بها مأمور الضبط القضائى فى أحوال التلبس بالجريمة أو حالة صدور أمر من سلطة التحقيق بضبط المتهم وإحضاره ( 126و 127 ) أو القبض عليه ( م130 ) وذلك لما هو معلوم من أنه يجب على مأمور الضبط القضائى أن يعرض المتهم الذى قام بالقبض عليه على سلطة التحقيق فى خلال أربع وعشرين ساعة ولسلطة التحقيق أن تستجوبه فى خلال أربع وعشرين ساعة أخرى (م131) وقد رؤى بدء احتساب مدة الحبس الاحتياطى من وقت تسليمه للنيابة وليس من وقت استجوابه الذى قد يتأخر دون دخل من المتهم .
سلطة القاضى الجزئى : إذا أرادت النيابة مد مدة الحبس الاحتياطى وجب عليها قبل انقضاء مدة الأربعة أيام أى فى اليوم الرابع أو فى اليوم السابق عليه إذا كان الرابع عطلة رسمية أن تعرض المتهم مع مبررات مد حبسه الاحتياطى على القاضى الجزئى(15) ، فإذا رفض مد الحبس تعين على النيابة العامة الافراج عن المتهم فورا . ولا تجوز اعادة عرض أمر التجديد على قاض آخر ، أما إذا اقتنع القاضى بمبررات مد الحبس فله أن يمده لمدة أو لمدد متعاقبة بحيث لا يزيد مجموع مدد الحبس على خمسة وأربعين يوماً . فقد نصت المادة 202 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أن " وللقاضى مد الحبس الاحتياطى لمدة أو لمدد متعاقبة لا تجاوز كل منها خمس عشر يوماً ، وبحيث لا تزيد مدة الحبس الاحتياطى فى مجموعها على خمسة وأربعين يوماً " . وكان العمل قد جرى قبل التعديل الأخير على أن القاضى الجزئى له أن يأمر بمد الحبس الاحتياطى لمدة خمسة وأربعين يوماً دفعة واحدة . وكان هذا الوضع محل انتقاد من علماء القانون الجنائى ، وأصبح الآن غير جائز .
وذهبت التعليمات العامة للنيابات (م390) إلى أن مدة الخمسة والأربعين يوماً التى يصدر بها قرار القاضى الجزئى لا تدخل فيها مدة الأربعة أيام السابق صدور أمر بحبس المتهم فيها من النيابة العامة فنصت هذه المادة على أنه " للقاضى الجزئى مد الحبس الاحتياطى لمدة أو لمدد متعاقبة بحيث لا يزيد مجموع مدد الحبس ، بمعرفته ، على خمسة وأربعين يوماً " وقد انتقد هذا الرأى على أساس أن ورود عبارة نص المادة 202 من قانون الاجراءات الجنائية " بحيث لا يزيد مجموع مدد الحبس على خمسة وأربعين يوماً " تفيد دخول مدة الأربعة أيام التى أمرت بها النيابة العامة ضمن الخمسة والأربعين يوماً(16) . ولكن الصياغة الجديدة لنص المادة 202 أ.ج بعد تعديلها بالقانون رقم 145 لسنة 2006 تفيد أن مدة الحبس التى يأمر بها القاضى الجزئى بمفرده هى خمسة وأربعين يوماً .
سماع أقوال النيابة العامة والمتهم قبل مد الحبس
ويجب على القاضى الجزئى قبل أن يأمر بمد الحبس الاحتياطى أن يسمع أقوال النيابة العامة بوصفها الجهة طالبة المد ، وأقوال المتهم المحبوس ، فإذا لم تحضر النيابة المتهم أمام القاضى الجزئى لسماع أقواله دون مبرر تعين على القاضى أن يصدر أمره برفض طلب مد الحبس ، فإن لم يفعل وأمر بمد الحبس كان أمره باطلا . أما إن كان عدم حضور المتهم أمام القاضى بعذر كمرض أو خلافه أو حضر المتهم وطلب تأجيل سماع أقواله لسبب أو لآخر تحقيقا لمصلحته ، فللقاضى أن يصدر قراره بمد الحبس المدة الكافية لتحقيق الغرض من تأجيل سماع أقوال المتهم ، ثم يفصل بعد ذلك فى أمر مد الحبس الاحتياطى .
سلطة غرفة المشورة : وإذا استنفد القاضى الجزئى المدد المتاحة له لمد الحبس الاحيتاطى بأن بلغت هذه المدد خمسة وأربعين يوماً ، وتطلب التحقيق مد الحبس الاحتياطى زيادة على ذلك ، فيجب أن يعرض المتهم على محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى هيئة غرفة مشورة لتجديد الحبس ، ويكون ذلك بإرسال ملف القضية إلى المحامى العام للنيابة الكلية قبل انقضاء مدة الحبس بوقت يسمح له بعرضه على الغرفة طالبا منها مد الحبس ، وتملك غرفة المشورة اصدار الأمر بمد الحبس الاحتياطى مددا متعاقبة كل مرة لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً وبحد أقصى لهذه المدد ثلاثة أشهر وذلك بعد سماع أقوال المتهم والنيابة العامة ، ويكون لغرفة المشورة اصدار الأمر بالحبس الاحتياطى أيضا فى حالة إحالة الدعوى إلى محكمة الجنايات فى غير دور الانعقاد .
2- إذا حكم من محكمة الموضوع التى أحيل لها المتهم بعدم الاختصاص إلى حين تعيين المحكمة المختصة ( م151/3 أ.ج ).
ويلاحظ أنه يجب عرض المتهم على سلطة تجديد الحبس الاحتياطى على حسب الأحوال ، قبل انتهاء مدة الحبس الصادر بها أمر حبسه ، والا سقط أمر الحبس وتعين الافراج عن المتهم فورا ، وإذا صادف أخر يوم فى مدة الحبس الاحتياطى يوم عطلة رسمية فلا يجوز امتداد مدة الحبس تلقائيا إلى أول يوم عمل بعد ذلك وانما يجب عرض المتهم قبل يوم العطلة الرسمية وإلا بطل الحبس وتعين الافراج عن المتهم .
3- الحبس الاحتياطى فى جنايات أمن الدولة والمفرقعات والأموال العامة
صدرت المادة 206 مكررا المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 وجرى نصها بالآتى " يكون لأعضاء النيابة العامة من درجة رئيس نيابة على الأقل ـ بالإضافة إلى الاختصاصات المقررة للنيابة العامة ـ سلطات قاضى التحقيق فى تحقيق الجنايات المنصوص عليها فى الأبواب الأول والثانى والثانى مكررا والرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات ، ويكون لهم فضلاً عن ذلك سلطة محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة المبينة فى المادة (143) من هذا القانون فى تحقيق الجرائم المنصوص عليها فى القسم الأول من الباب الثانى المشار إليه بشرط ألا تزيد مدة الحبس فى كل مرة عن خمسة عشر يوماً ويكون لهؤلاء الأعضاء من تلك الدرجة سلطات قاضى التحقيق فيما عدا مدد الحبس الاحتياطى المنصوص عليها فى المادة (142) من هذا القانون ، وذلك فى تحقيق الجنايات المنصوص عليها فى الباب الثالث من الكتاب الثانى من قانون العقوبات " .
وجرائم الباب الأول من الكتاب الثانى من قانون العقوبات المشار إليها هى الجنايات والجنح المضرة بأمن الحكومة من جهة الخارج وجرائم الباب الثانى من الكتاب الثانى من قانون العقوبات هى الجنايات والجنح المضرة بالحكومة من جهة الداخل ، وجرائم الباب الثانى مكررا من قانون العقوبات هى جنايات المفرقعات ، وجرائم الباب الرابع من الكتاب الثانى من قانون العقوبات هى جرائم اختلاس المال العام والعدوان عليه والغدر ، وقد اختص المشرع الجنايات من هذه الجرائم دون الجنح فوسع من سلطة أعضاء النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل فى تحقيقها بما فيها سلطة الأمر بالحبس الاحتياطى فأعطاهم سلطة قاضى التحقيق ، ومعنى ذلك أنه ليس ما يمنع من أن يكون لأعضاء النيابة دون درجة رئيس نيابة سلطة تحقيق هذه الجنايات ولكن فى حدود سلطات النيابة العامة دون قاضى التحقيق ، ودون سلطة فى الحبس الاحتياطى(17) . فإذا انتهت مدة الحبس الاحتياطى المقررة للنيابة العامة ورؤى استمرار الحبس فعلى النيابة العامة أن تعرض القضية على غرفة المشورة أو على محكمة الجنايات بحسب الأحوال طالبة مد الحبس ولكل من هاتين الجهتين أعمال سلطتها على النحو السابق ايضاحه بعد سماع أقوال النيابة العامة والمتهم.
4- الحبس الاحتياطى فى جرائم الرشوة
أما جرائم الرشوة وهى الجنايات المنصوص عليها فى الباب الثالث من الكتاب الثانى من قانون العقوبات ، فإن المشرع وإن منح رؤساء النيابة سلطات قاضى التحقيق فى تحقيقها إلا أنه استثنى منها الحبس الاحتياطى فلم يجعل لهم فيها سوى سلطة النيابة العامة العادية .
5- التوسع فى سلطة النيابة العامة فى جرائم الإرهاب
طبقاً للفقرة الثانية من المادة 206 مكررا من قانون الاجراءات الجنائية السابق ايرادها منح المشرع أعضاء النيابة العامة بدرجة رئيس نيابة على الأقل سلطة محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى هيئة غرفة مشورة المبينة فى المادة (143) من قانون الإجراءات الجنائية(18) . فى تحقيق جرائم الإرهاب وهى المنصوص عليها فى القسم الأول من الباب الثانى من قانون العقوبات ، بما فيها الحبس الاحتياطى ويلاحظ أن المشرع قصر هذه السلطة على أعضاء النيابة من درجة رئيس نيابة على الأقل إلا أنه وضع قيدا لم يكن موجودا قبل ذلك ، وهو شرط ألا تزيد مدة الحبس فى كل مرة عن خمسة عشر يوماً .
6- الحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطى
وضع المشرع فى القانون رقم 145 لسنة 2006 حداً أقصى لمدد الحبس الاحتياطى إذا قضاها المتهم محبوساً ولم يكن التحقيق معه قد انتهى يجب أن يفرج عنه ، فنصت المادة 143 فقرة أخيرة من قانون الإجراءات الجنائية المستبدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 على أنه " لا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطى على ثلاثة أشهر ، ما لم يكن المتهم قد أعلن باحالته إلى المحكمة المختصة قبل انتهاء هذه المدة فإذا كانت التهمة جنحة وكان التحقيق معه قد انتهى واحيل إلى المحكمة فيظل محبوسا بشرط أن تعرض النيابة العامة أمر الحبس خلال خمسة أيام على الأكثر من تاريخ الاعلان بالاحالة على المحكمة المختصة وفقاً لأحكام الفقرة الأولى من المادة 151 من القانون وإلا وجب الإفراج عن المتهم .
فإذا كانت التهمة المنسوبة إليه جناية ، فلا يجوز أن تزيد مدة الحبس الاحتياطى على خمسة شهور إلا بعد الحصول قبل انقضائها على أمر من المحكمة المختصة بمد الحبس مدة لا تزيد على خمسة وأربعين يوماً قابلة للتجديد لمدة أو لمدد أخرى مماثلة ، وإلا وجب الافراج عن المتهم .
وفى جميع الأحوال لا يجوز أن تجاوز مدة الحبس الاحتياطى فى مرحلة التحقيق الابتدائى وسائر مراحل الدعوى الجنائية ثلث الحد الأقصى للعقوبة السالبة للحرية ، بحيث لا يتجاوز ستة أشهر فى الجنح وثمانية عشر شهرا فى الجنايات ، وسنتين إذا كانت العقوبة المقررة للجريمة هى السجن المؤبد أو الإعدام " .
ومع ذلك ، فلمحكمة النقض ولمحكمة الإحالة ، إذا كان الحكم صادرا بالاعدام ، أن تأمر بحبس المتهم احتياطيا لمدة خمسة وأربعين يوما قابلة للتجديد دون التقيد بالمدد المنصوص عليها فى الفقرة السابقة " (19) .
ونرى أن الحبس لا يجوز أن يتجاوز 18 شهرا فى الجنايات حتى لو كانت العقوبة المقررة للجريمة هى السجن المؤبد أو الإعدام إذا كانت محكمة الجنايات لا تملك الحكم بالحد الأقصى كما لو كان قد سبق الحكم على المتهم بعشر سنوات مثلا ونقض الحكم بناء على طعن المحكوم عليه وحده ، فإن محكمة الإعادة لا تملك أن تحكم عليه بأشد من الحكم الذى طعن فيه وهو عشر سنوات .
وغنى عن البيان أن من حالات الافراج الوجوبى عن المتهم قضاؤه الحد الأقصى للعقوبة للجريمة المنسوبة إليه وهى حالة لا تحتاج إلى النص عليها تشريعا لأن من المقرر أن مدة الحبس الاحتياطى تخصم من المدة التى يحكم بها على المتهم ، ومن غير الجائز الحكم عليه بأكثر من الحد الأقصى المقرر فى القانون .
وحرصا من المشرع على انهاء الحبس الاحتياطى فى أقرب وقت أوجبت المادة 143/1 من قانون الإجراءات الجنائية عرض الأوراق على النائب العام إذا انقضى على حبس المتهم احتياطيا ثلاثة شهور وذلك لاتخاذ الاجراءات التى يراها كفيلة للانتهاء من التحقيق . وهو إجراء لا يترتب على مخالفته بطلان ، ولا يعدو أن يكون تنبيها إلى أنه لا يصح أن يكون الاستمرار فى حبس المتهم احتياطيا راجعا إلى تراخى أو اهمال فى التحقيق الابتدائى . وهذه المادة وأن وردت فى التحقيق بمعرفة قاضى التحقيق ، إلا أنه لا يتصور إعمالها إلا إذا كانت النيابة هى التى تجرى التحقيق بمعرفتها لأنه لا إشراف للنائب العام على قضاة التحقيق .
وإذا كان التحقيق قد انتهى وصدر فيه أمر بالأوجه لاقامة الدعوى الجنائية وجب الافراج عن المتهم فورا . أما إذا كان المتهم قد تمت احالته إلى المحكمة محبوساً لمحاكمته ، فإن أمر حبسه والإفراج عنه يكون من شأن المحكمة التى أحيل للمحاكمة أمامها بالحد الأقصى السابق إيضاحه(20) .
7- بدائل الحبس الاحتياطى
أورد المشرع لأول مرة فى التعديل الجديد الصادر بالقانون رقم 145 لسنة 2006 بدائل للحبس الاحتياطى يمكن للمحقق أن يقررها بدلا من إصداره أمرا بحبس المتهم احتياطيا . فنصت المادة 201 المستبدلة على أن يجوز للسلطة المختصة بالحبس الاحتياطى أن تصدر بدلا منه أمرا بأحد التدابير الآتية :
1- إلزام المتهم بعدم مبارحة مسكنه أو موطنه .
2- إلزام المتهم بأن يقدم نفسه لمقر الشرطة فى أوقات محددة .
3- حظر ارتياد المتهم أماكن محددة .
فاذا خالف المتهم الالتزامات التى يفرضها التدبير ، جاز حبسه احتياطيا ويسرى فى شأن مدة التدبير أو مدها والحد الأقصى لها واستئنافها ذات القواعد المقررة بالنسبة إلى الحبس الاحتياطى(21) .
8- المدعى المدنى والحبس الاحتياطى
لم يشأ المشرع أن يجعل للمدعى بالحق المدنى " أو المجنى عليه " رأيا فى حبس المتهم احتياطيا على أساس أن دوره منحصر فى طلب التعويض المدنى إذا ثبت خطأ المتهم الذى تسبب فى أحداث ضرر له . فنصت المادة 152 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " لا يقبل من المجنى عليه أو من المدعى بالحقوق المدنية طلب حبس المتهم ولا تسمع منه أقوال فى المناقشات المتعلقة بالإفراج " والواقع أن هذا النص يتجاهل أمرا واقعا هو أن فى حبس المتهم احتياطيا ارضاء لشعور المجنى عليه والمدعى المدنى ، ولو أن هذا الأمر الواقع لا وجود له من الناحية القانونية البحتة .
9- الحبس الاحتياطى طبقاً لقانون الطوارىء
صدر القانون رقم 162 لسنة 1958 بشأن حالة الطوارىء ونظم اجراءات جنائية خاصة لا تسرى إلا فى حالة الطوارىء . وقد أنشأت المادة "7" من هذا القانون محاكم تسمى محاكم أمن الدولة تختص بالفصل فى الجرائم التى تقع بالمخالفة لأحكام الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية أو من يقوم مقامه . كما أجازت المادة "9" لرئيس الجمهورية أو لمن يقوم مقامه أن يحيل إلى محاكم أمن الدولة الجرائم التى يعاقب عليها القانون العام . وقد نصت المادة "10" من هذا القانون على أنه " فيما عدا ما هو منصوص عليه من اجراءات وقواعد فى المواد التالية أو الأوامر التى يصدرها رئيس الجمهورية تطبق أحكام القوانين المعمول بها على تحقيق القضايا التى تختص بالفصل فيها محاكم أمن الدولة واجراءات نظرها والحكم فيها وتنفيذ العقوبات المقضى بها . ويكون للنيابة العامة عند التحقيق كافة السلطات المخولة لها ولقاضى التحقيق ولغرفة الاتهام بمقتضى هذه القوانين "(22) . ولكن غرفة الاتهام قد ألغيب الآن ولم ينص قانون إلغائها على الجهة التى تؤول إليها سلطاتها فى الحبس الاحتياطى ، ومن ثم فلا يكون للنيابة العامة سوى سلطة قاضى التحقيق فى هذا النوع من الجرائم ، وهى الحبس حتى 45 يوما فقط بالإضافة إلى سلطتها الأصلية سواء كان ذلك فى الجنايات أو الجنح(23) .
10- الحبس المطلق
مما سبق يتضح أنه لا توجد جهة من الجهات القضائية سواء كانت النيابة العامة أو غيرها تملك حبس المتهم حبسا مطلقا أى دون تحديد مدة له . فقد كفل قانون الطوارىء تحديد سلطة كل جهة قضائية فى مدة الحبس الاحتياطى التى تملكها على نحو ما أوضحنا حالا . ولا يتبقى بعد ذلك إلا ما ورد النص عليه فى المادة (6) من قانون الطوارىء من سلطة القبض على المخالفين للأوامر التى تصدر طبقاً لأحكام قانون الطوارىء والجرائم المحددة فى هذه الأوامر . ولم يحدد النص مدة لبقاء المحبوس فى هذه الحال ولكنه أجاز للمحبوس التظلم من أمر حبسه إلى محكمة أمن الدولة المختصة كل ثلاثين يوماً(24) .
وتمثل هذه المادة خروجا على أحكام قانون الإجراءات الجنائية لعدم التزام النيابة العامة بعرض المتهم خلال مدة معينة على أية جهة قضائية لتجديد حبسه ، ويختلف نص هذه المادة عن نص المادة الثالثة من قانون الطوارىء من حيث أسباب القبض على المتهم فهى فى المادة الثالثة مجرد خطورة المقبوض عليه أو المعتقل على الأمن والنظام العام .
11- نظام التظلم من الحبس طبقاً لقانون الطوارىء
للمقبوض عليه أن يتظلم من أمر القبض عليه وحبسه فور القبض عليه فلم يشترط المشرع مضى أية مدة على القبض حتى يمكن التظلم ، ويكون التظلم كتابة من المقبوض عليه أو وكيله إلى رئيس محكمة الاستئناف لتحديد احدى دوائر محكمة أمن الدولة طوارىء لنظر التظلم إذا كانت الجريمة المنسوبة إلى المتظلم جناية ، فإذا كانت جنحة فإن التظلم يكون لرئيس المحكمة الابتدائية ، ويجب على المحكمة أن تفصل فى التظلم خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمه وإلا أفرج عن المتهم ويكون من سلطة المحكمة رفض التظلم وحبس المتهم أو قبوله والافراج عنه ، ويكون قرار المحكمة نافذا ما لم يطعن عليه وزير الداخلية خلال خمسة عشر يوما من تاريخ صدوره إذا كانت التهمة من جرائم أمن الدولة الداخلي أو الخارجى ، فإن كانت التهمة غير ذلك ، لا يكون لوزير الداخلية أن يطعن على قرار الإفراج .
وإذا ما طعن وزير الداخلية أحيل طعنه إلى دائرة أخرى من دوائر محكمة أمن الدولة طوارىء المختصة خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تقديمه ، ويجب أن يفصل فيه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ الاحالة وإلا تعين الافراج عن المتهم فورا ، ويكون قرار المحكمة فى هذه الحالة واجب النفاذ .
وفى جميع الأحوال يكون لمن رفض تظلمه أن يتقدم بتظلم جديد كلما انقضى ثلاثون يوما من تاريخ رفض التظلم .
12- نقد الحبس المطلق
وجه علماء القانون الجنائى النقد إلى نظام الحبس المطلق غير المحدد المدة لأنه أخطر من العقوبة ذاتها الصادرة بحكم قضائى بناء على ثبوت إدانة المتهم لأن كل حكم قضائى بعقوبة يتعين أن يكون محدد المدة ، بينما الحبس الاحتياطى المطلق يصدر فى شأن انسان من حقه أن يعتصم بأصل البراءة المنصوص عليه فى الدستور(25) .
ويتقيد الحبس طبقاً لقانون الطوارىء بحالات الإفراج الوجوبى من المتهم لقضائه المدد التى ورد النص عليها فى القانون رقم 145 لسنة 2006 .
13- الحبس الاحتياطى فى جرائم الكسب غير المشروع
خولت المادة (10) من القانون رقم 62 لسنة 1975 فى شأن الكسب غير المشروع الهيئات القضائية المنصوص عليها فيها جميع الاختصاصات المقررة لسلطات التحقيق فى قانون الإجراءت الجنائية وذلك بالنسبة لجرائم الكسب غير المشروع ، ولما كانت سلطات التحقيق فى قانون الاجراءات الجنائية هى النيابة العامة وقاضى التحقيق فإنه يكون لهيئات الكسب غير المشروع سلطة الحبس الاحتياطى المخولة لقاضى التحقيق .
14- تنظيم التظلم أمام القضاء من أوامر الحبس الاحتياطى
على الرغم من خطورة الحبس الاحتياطى كاجراء ماس بالحرية ، وصدوره على نقيض أصل البراءة ، وما يترتب عليه من تقييد حرية انسان من غير حكم قضائى تثبت فيه ادانته ، إلا أن قانون الإجراءات الجنائية لم يكن ينظم وسيلة للتظلم من أوامر الحبس ولا الطعن فيها . ولاشك أن هذا الوضع ينطوى على مخالفة للدستور . ذلك أن المادة 71 من الدستور نصت على أن " يبلغ كل من يقبض عليه أو يعتقل بأسباب القبض عليه أو اعتقاله فوراً ويكون له حق الاتصال بمن يرى ابلاغه بما وقع أو الاستعانة به على الوجه الذى ينظمه القانون ، ويجب اعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه ، وله ولغيره التظلم أمام القضاء من الإجراء الذى قيد حريته الشخصية ، وينظم القانون حق التظلم بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة وإلا وجب الافراج حتماً " .
ويبين من هذا النص أن الدستور أوجب على المشرع تنظيم وسيلة التظلم من أوامر الحبس أمام القضاء . إذ أن القبض ليس إلا نوعاً من الحبس ولا خلاف بينهما سوى المدة المقررة لكل منهما(26) بل وقد قرر النص الدستورى حق التظلم ليس للمحبوس فقط بل لغيره من الناس وهو امعان فى ضمان الحريات ، لأن المشرع الدستورى تصور أن المحبوس قد لا يمكنه التظلم لسبب أو لآخر ، فأتاح ذلك لغيره حتى ولو لم يكن وكيلاً عن المحبوس(27) . كما لو كان من أقاربه أو أصدقائه أو من يهمهم أمره وإذا كانت المادة 139 من قانون الإجراءات الجنائية قد نصت على أن " يبلغ فورا كل من يقبض عليه أو يحبس احتياطيا بأسباب القبض عليه أو حبسه ، ويكون له حق الاتصال بمن يرى ابلاغه بما وقع والاستعانة بمحام ، ويجب إعلانه على وجه السرعة بالتهم الموجهة إليه " إلا أنه لم يكن ينظم طريقة التظلم من أمر القبض أو الحبس بما يكفل الفصل فيه خلال مدة محددة . الواقع أن تنظيم طريقة التظلم أو الطعن فى أمر الحبس الاحتياطى هو الأهم . ذلك أن إبلاغ المحبوس احتياطيا بأسباب حبسه أمر مفترض من إيجاب استجوابه قبل حبسه احتياطياً ، ففي هذا الاستجواب يبلغ المحبوس بأسباب حبسه بل ويناقش تفصيلاً فى التهم الموجهة إليه(28) . ولم يكن المشرع يجيز للمتهم استئناف قرار قاضي التحقيق الذي يأمر بحبسه , بينما أجاز للنيابة العامة الطعن في أوامر قاضي التحقيق الصادرة بالإفراج عن المتهم في جناية , ( المادة 164اجراءات جنائية ) وهو أمر كان يثير شبهة عدم الدستورية في المادة 163 إجراءات جنائية قبل تعديلها لعدم المساواة في الأسلحة بين الخصوم ولتعارضها مع نص المادة 71 من الدستور والغريب أن القانون رقم 37 لسنة 1972عدل قانون الطوارىء فأعطي للمعتقل حق التظلم بعد مضي ثلاثين يوما من أمر الاعتقال أمام محكمة أمن الدولة العليا وأوجب علي المحكمة ان تفصل في هذا التظلم بقرار مسبب خلال خمسة عشر يوما من تاريخ تقديم التظلم بعد سماع أقوال المعتقل وإلا تعين الإفراج عنه فورا ( المادة 3 مكررا المعدلة بالقانون رقم 50لسنة 1982) ورغم ذلك لم يكن للمحبوس احتياطيا في غير قانون الطوارىء هذا الحق وقد سبق أن انتقدنا هذا الوضع ودعونا المشرع للتدخل لتنفيذ الدستور بتضمين قانون الإجراءات الجنائية نصوصا تكفل تطبيق المادة 71من الدستور بوضع طريقة للتظلم القضائي من أمر الحبس الاحتياطي(29) .
15 ـ استئناف النيابة للأمر بالإفراج عن المتهم
نصت المادة 164/2 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 علي أن للنيابة وحدها أن تستأنف الأمر الصادر في جناية بالإفراج المؤقت عن المتهم المحبوس احتياطيا " ونصت المادة 165 أ.ج علي أن يكون هذا الاستئناف بتقرير في قلم الكتاب , ونصت المادة 166 أ.ج معدلة بالقانون 145لسنة 2006 علي أن ميعاد استئناف النيابة في الحالات المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 164 من هذا القانون أربعا وعشرين ساعة ويجب الفصل في الاستئناف خلال ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفعه .
16ـ استئناف المتهم للأمر الصادر بحبسه احتياطيا
تدخل المشرع لأول مرة ، فنظم طريقا للتظلم القضائي من أمر حبس المتهم احتياطيا إعمالا لنص المادة 71 من الدستور فتدخل بالقانون رقم 145 لسنة 2006 وأضاف فقرة جديدة للمادة 164 من قانون الإجراءات نصت علي أن " للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيا أو بمد هذا الحبس " كما أضاف فقرة إلي المادة 205 من قانون الإجراءات الجنائية جري نصها بأن " للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيا أو بمد هذا الحبس من القاضي الجزئي أو محكمة الجنح المستانفة منعقدة في غرفة المشورة " .
وعلي ذلك أصبح للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه أو بمد هذا الحبس أيا كانت الجهة مصدرة الأمر في التحقيق الابتدائي وسواء كانت الجريمة جناية أو جنحة ، ويتقرر حق المتهم في الاستئناف بمجرد صدور الأمر بالحبس دون انتظار لإعلانه بالأمر ، فقد نصت المادة 166 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 علي أن " يكون استئناف المتهم في أى وقت ، فإذا صدر قرار برفض استئنافه ، جاز له أن يتقدم باستئناف جديد كلما انقضت مدة ثلاثين يوما من تاريخ صدور قرار الرفض " وهكذا يكون القانون لم يقيد استئناف المتهم بأي ميعاد بينما قيد استئناف باقي الخصوم بعشرة أيام من تاريخ إعلان الأمر ويتم التقرير بالاستئناف من المتهم أو وكيله في قلم كتاب النيابة علي النموذج المعد لذلك (نموذج 13 ) .
الجهة المختصة بنظر الاستئناف
نصت المادة 167 الجديدة ( الفقرات الأولي والثانية والثالثة ) علي أن يرفع الاستئناف أمام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة إذا كان الأمر المستأنف صادرا من قاضي التحقيق بالحبس الاحتياطي أو بمده فإذا كان الأمر صادرا من تلك المحكمة ، يرفع الإستئناف إلي محكمة الجنايات منعقدة في غرفة مشورة , وإذا كان صادرا من محكمة الجنايات يرفع الاستئناف إلي الدائرة المختصة , ويرفع الاستئناف في غير هذه الحالات أمام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة إلا إذا كان الأمر المستأنف صادرا بأن لا وجه لإقامة الدعوى في جناية أو صادرا من هذه المحكمة بالإفراج عن المتهم فيرفع الاستئناف إلي محكمة الجنايات منعقدة فى غرفة المشورة .
ويلاحظ أن نص المادة 167 أ.ج حدد الجهة التي تنظر الاستئناف إذا كان الأمر المستأنف صادرا من قاضي التحقيق أو من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة أو من محكمة الجنايات منعقدة في غرفة مشورة , ولم يحدد الجهة التي تنظر الاستئناف إذا كان الأمر المستأنف صادرا من النيابة العامة . ولا نري أن ذلك يشكك في قابلية هذا الأمر للطعن علية بالاستئناف لأنه من جهة , جاء نص المادة 164 أ . ج في تقرير حق المتهم في الاستئناف عاما فقرر أن للمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه دون قصره علي صدوره من جهة معينة ومن المقرر في أصول التفسير أن العام يفسر علي عمومه ولا تخصيص بغير مخصص , ومن جهة أخرى , فقد نصت المادة 167 أ.ج نفسها علي أن " . . . . ويرفع الاستئناف في غير هذه الحالات امام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة " مما يشير إلي وجود حالات استئناف أخري غير ما ذكرها النص , ولاشك أن من بينها الأوامر الصادرة من النيابة العامة خاصة وان المادة 199 من قانون الإجراءات الجنائية تضع قاعدة عامة هي أن النيابة العامة تباشر التحقيق في مواد الجنح والجنايات طبقا للأحكام المقررة لقاضي التحقيق .
فأي أمر حبس صادر من النيابة العامة يجوز استئنافه امام محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى هيئة غرفة مشورة أيا كانت سلطة النيابة في مدة الحبس أي حتي في الحالات التي نصت عليها المادة 206 مكررا بعد تعديلها بالقانون رقم 145 لسنة 2006والتي منحت النيابة العامة سلطة غرفة المشورة في الحبس الاحتياطي والتحقيق في بعض الجرائم المحددة علي سبيل الحصر , لأن هذه المادة قصرت ما منحته للنيابة العامة من سلطات غرفة المشورة بصريح لفظها علي ما هو منصوص علية في المادة ( 143) وهي الحبس الاحتياطي والتحقيق دون باقي اختصاصات الغرفة ومنها نظر استئناف أوامر الحبس الصادرة من النيابة العامة وهو ما اختصت بتنظيمه المادة 167 من قانون الإجراءات الجنائية , فخطة المشرع فى تحديد الجهة المختصة بنظر استئناف أمر الحبس الاحتياطي هي ارتباطها بالجهة مصدرة أمر الحبس وليس بمدد هذا الحبس فإذا كانت هذه الجهة هي النيابة العامة أو قاضي التحقيق كانت محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة هي المختصة بنظر الطعن بالاستئناف علي الأوامر الصادرة من هذه الجهة أيا كانت مدة الحبس الصادرة ، بل أن أوامر الحبس الاحتياطي الصادرة بناء علي سلطات استثنائية للنيابة العامة مما نصت علية المادة 206 مكررا أ .ج تحتاج إلي رقابة قضائية أولي من غيرها من أوامر الحبس الاحتياطي لطول مدة الحبس المسموح بها .
فلا تختص محكمة الجنايات منعقدة في غرفة مشورة بنظر الطعن في أوامر الحبس الاحتياطي إلا إذا كان الأمر بالحبس صادرا من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة مشورة أو من مستشار التحقيق فقد نصت المادة 167 إجراءات جنائية علي انه إذا كان الذي تولي التحقيق مستشارا عملا بالمادة 65 من هذا القانون فلا يقبل الطعن في الأمر الصادر منه إلا إذا كان متعلقا بالاختصاص أو بأن لا وجه لإقامة الدعوى أو بالحبس الاحتياطي أو بمده أو بالإفراج المؤقت , ويكون الطعن امام محكمة الجنايات منعقدة في غرفة المشورة .
وتخصص دائرة أو أكثر من دوائر المحكمة الابتدائية أو محكمة الجنايات لنظر الاستئناف أوامر الحبس الاحتياطي أو الإفراج المؤقت المشار إليهما في هذه المادة .
استئناف أوامر الحبس الاحتياطي ومده والإفراج الصادرة من القاضي الجزئي ومحكمة الجنح المستأنفة
نصت المادة 168 ( الفقرتين الأولي والثانية ) المعدلة علي أن " ينفذ الأمر الصادر بالإفراج المؤقت عن المتهم المحبوس احتياطيا ما لم تستأنفه النيابة العامة في الميعاد المنصوص علية في المادة 166من هذا القانون. وللمحكمة المختصة بنظر الاستئناف أو تأمر بمد حبس المتهم طبقا لما هو مقرر في المادة 143من هذا القانون " .
كما نصت المادة 205فقرة ثانية معدلة علي أن " وللمتهم أن يستأنف الأمر الصادر بحبسه احتياطيا أو بمد هذا الحبس من القاضي الجزئي أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة في غرفة المشورة ، وللنيابة العامة إذا استلزمت ضرورة التحقيق أن تستأنف الأمر الصادر من القاضي الجزئي أو من محكمة الجنح المستأنفة في غرفة المشورة بالإفراج عن المتهم المحبوس احتياطيا ، وتراعي في ذلك أحكام الفقرة الثانية من المادة 164 والمواد من 165 إلي 168 من هذا القانون " .
الفصل في الطعن خلال مدة معينة
استجاب المشرع لنص المادة 71 من الدستور التي أوجبت أن ينظم المشرع طريقة التظلم من أمر الحبس الاحتياطي خلال مدة معينة ، فنصت المادة 167 من قانون الإجراءات الجنائية الجديدة علي أنه " وفي جميع الأحوال يتعين الفصل في الطعن في أوامر الحبس الاحتياطي أو مده أو الإفراج المؤقت ، خلال ثمانية وأربعين ساعة من تاريخ رفع الطعن ، وإلا وجب الإفراج عن المتهم " .
17 – اقتصار الطعن علي أوامر الحبس في مرحلة التحقيق الابتدائي
واضح من إيراد النصوص التي قررت حق الطعن في أوامر الحبس الاحتياطي وأوامر الإفراج عن المتهم بين النصوص الواردة في الفصل الثاني عشر من الباب الثالث من قانون الإجراءات الجنائية المخصص لاستئناف أوامر قاضي التحقيق والباب الرابع من قانون الإجراءات الجنائية المخصص للتحقيق بمعرفة النيابة العامة ، أن هذا الطعن لا يرد إلا علي أوامر الحبس الاحتياطي وأوامر الإفراج الصادرة فى مرحلة التحقيق الابتدائى فقط أما أوامر الحبس الاحتياطى من محكمة الموضوع أثناء نظرها للدعوى فلا يجوز استئنافها . وهو أمر نري انه يحتاج إلي معالجة تشريعية ، فلا بد من تقرير حق المتهم في الطعن علي أوامر الحبس الاحتياطي الصادرة من محكمة الموضوع ، سواء كانت محكمة الجنح أو محكمة الجنح المستأنفة أو محكمة الجنايات وقد دعا الي ذلك المؤتمر الدولي الثاني عشر لقانون العقوبات المنعقد في هامبورج بألمانيا في سبتمبر1979 ، فقد جاء في التوصية ( ج ) من توصيات هذا المؤتمر أنه " يجب أن يمكن المحبوس احتياطيا من الطعن علي الأمر بحبسه في الأدوار المختلفة التي تمر بها الدعوي الجنائية "
18 – بطلان الحبس الاحتياطي وأثره
وإذا لم تراع شروط الحبس الاحتياطي وقع هذا الحبس باطلا وترتب علي ذلك بطلان جميع الإجراءات التي اتخذت والمتهم محبوس حبسا باطلا(30) . ويتعين الإفراج عن المتهم فورا ، وعلي محكمة الموضوع ان تلتفت عن الدليل المستمد من تفتيش المتهم إذا استبان لها بطلان القبض علي المتهم وحبسه احتياطيا سواء لأن الدلائل لم تكن كافية أو لإغفال استجواب المتهم أو لبطلان استجوابه(31) 0 وقضي بأنه " لا ينال من سلامة اجراءات المحاكمة ما أمرت به المحكمة من حبس الطاعنين احتياطيا على ذمه الدعوى , اذ ان ذلك لا يعدو ان يكون استعمالا لحقها المقرر بالمادة 380 من قانون الاجراءات الجنائية , كما انه لا يقبل من الطاعن ما يثيره فى خصوص بطلان الحكم المطعون فيه لامتداد حبسه يومين بما يجاوز قرار المحكمة بحبسة والمتهم الاخر , ما دام الثابت ان محاميا حضر عنه بجلسة المحاكمة حال امتداد حبسه وشهد ذلك الاجراء دون ان يعترض هو او الطاعن على ذلك بشىء , الامر الذى يترتب عليه سقوط حقه فى الدفع بهذا البطلان على مقتضى ما نصت عليه المادة 333 من قانون الاجراءات الجنائية (32).
19- تنفيذ أمر الحبس الاحتياطى
تعتبر الأوامر التي تصدرها النيابة العامة واجبة التنفيذ في جميع أنحاء الجمهورية (م 129 أ0ج ) ومدة صلاحية أوامر النيابة لا تزيد علي ستة أشهر ،فلا يجوز تنفيذ أوامر الضبط والاحضار وأوامر الحبس الاحتياطي التي تصدرها النيابة العامة بعد مضي ستة أشهر من تاريخ صدورها ما لم تعتمدها النيابة لمدة أخري (م 201 أ0ج ) ويعني هذا أنه لا يجوز تجديد هذه الأوامر الا مرة واحدة(33) وقد قدر المشرع أنه في خلال الستة أشهر قد تتغير ظروف التحقيق ، ويتضح من هذا التغيير انه لم تعد ثمة حاجة لحبس المتهم0
ومتي صدر أمر الحبس فيجب أن يعلن للمتهم بمعرفة أحد المحضرين أو رجال السلطة العامة وتسلم له صورة منه ( 128 أ0ج ) وهذا الاعلان يتم في محل إقامة المتهم ما لم يكن هاربا فيعلن في الجهة الادراية 0 ويجب أن تسلم صورة أمر الحبس إلي مأمور السجن عند ايداع المتهم فيه ويجب علي هذا المأمور أن يوقع علي أصل الأمر بالاستلام ( م 138 أ0ج) 0 ويجب عليه أن يتأكد من أنه صادر ممن يملكه ( م241/2 إجراءات والمادة الخامسة من القانون رقم 396 لسنة 1956 بشأن تنظيم السجون)0
20- معاملة المحبوس احتياطيا داخل السجن
يعامل المحبوس احتياطيا أثناء الحبس معاملة خاصة أخف كثيرا من معاملة المحكوم عليهم بالادانة 0 فهو يقيم في أماكن غير تلك التي يقيم فيها من ينفذ حكما قضائيا بالحبس(34) ، وان كان من المأمول أن تنشأ مبان خاصة للمحبوسين احتياطيا ، كما يجوز للمحبوس احتياطيا أن يلبس ملابسه الخاصة ولا يلزم بلبس ملابس السجن ، كما يمكنه أن يستحضر غذاءه من خارج السجن أو أن يشتريه من داخل السجن ( المواد من 14ـ 16 قانون تنظيم السجون) كما يمكنه أن يرسل ويتلقي رسائل خاصة ، شرط إمكانية إطلاع إدارة السجن عليها(35) ويمكنه تلقي زيارات أيضا ، ولكن للمحقق أن يصدر أمرا بمنع اتصال المحبوس احتياطيا بغيره من الأفراد أيا كانوا سواء محبوسين أو غير محبوسين، سواء أخذ هذا الاتصال شكل الاتصال الشفوي أم الكتابي ، فهو يملك منع الاتصال بنوعيه كما يملك قصر الحظر علي نوع واحد فقط (36) 0
21ـ حظر اتصال رجال السلطة بالمحبوس احتياطيا
نصت المادة 140 من قانون الاجراءات الجنائية علي أنه يجب علي مأمور السجن عدم السماح لرجال السلطة بالاتصال بالمتهم المحبوس الا بناء علي تصريح كتابي من النيابة العامة 0 كما أوجبت ذات المادة في حالة السماح لأحد بالاتصال بالمحبوس ان يدون في دفاتر السجن اسم الشخص الذي سمح له بذلك ووقت المقابلة وتاريخ ومضمون اذن النيابة 0 والحكمة من هذا النص هي حماية المحبوس من اتصال رجال الشرطة وغيرهم به ومحاولة التأثير عليه(37) وقد نصت علي هذا الحكم أيضا المادة 79 من القانون رقم 396 لسنة 1956 في شأن تنظيم السجون 0 وقضي بأنه اذا حدث مثل هذا الاتصال فإنه لا يترتب عليه بطلان لذات الاتصال ، اذ كل ما يلحق به هو مظنة التأثير علي المتهم المحبوس وتقدير ذلك مرجعه الي محكمة الموضوع(38) 0
22ـ حق المدافع في الاتصال بالمتهم المحبوس
منح القانون المحقق أيا كان ، سواء كان قاضي التحقيق أو النيابة العامة في جميع الأحوال سلطة إصدار الأمر بمنع اتصال المحبوس بأي شخص سواء كان من المسجونين أو غيرهم ، فيملك اصدار الأمر بمنع الزيادة عن المتهم المحبوس 0 ولكن احتراما لحق الدفاع فقد استثني المشرع من هذا الحظر المدافع عن المتهم ، فأجاز له الاتصال دائما بالمتهم وان ينفرد به عند زيادته له أي بدون حضور أحد من الحراس أو من غيرهم 0 فقد يريد المتهم أن ينسق مع المدافع عنه خطة دفاعه التي يعتبرها سرية فسمح له القانون بذلك علي أساس أن حق الدفاع حق من حقوق الانسان يتعين احترامه0 وعلي ذلك ، فلا يجوز أن يجلس مع المتهم عند زيادة محاميه له في السجن ضابط السجن أو أي شخص أخر تحت أي ذريعة ولأي سبب حتى لو كانت اعتبارات أمنية 0 والمقصود بهذا الحظر ألا يسمع الغير أحاديث المتهم مع محاميه، فلا مانع من وجود الحارس في مكان يتيح له رؤية المحبوس مع المدافع عنه دون أن يتمكن من سماع حديثهما 0 فقد نصت المادة 141 أ 0ج علي أن "النيابة العامة ولقاضي التحقيق في القضايا التي يندب لتحقيقها في كل الأحوال أن يأمر بعدم اتصال المتهم المحبوس بغيره من المسجونين وبألا يزوره أحد وذلك بدون اخلال بحق المتهم بالاتصال دائما بالمدافع عنه بدون حضور أحد " ويلاحظ أن النص استعمل تعبير المدافع عنه ليتسع للمحامي وغيره كما لو كان أحد أقاربه الذين يجيز القانون لهم حق الدفاع عنه أو الخبير الاستشاري الذي يدافع عنه .
ومن هذا النص يبين أن المدافع عن المتهم لا يحتاج الي تصريح بزيارة المحبوس ويكفي ان يظهر لمآمور السجن شهادة من المحقق بأنه هو المدافع عن المتهم(39)0
23 ـ الإفراج المؤقت عن المحبوس احتياطياًliberté provisoir
يقصد بالافراج المؤقت السلطة الجوازية في اخلاء سبيل المتهم من الحبس الاحتياطي(40) وسبق أن بينا أن الحبس الاحتياطي نظام استثنائي ينطوي علي تقييد لحرية المتهم دون حكم قضائي صادر في دعوى جنائية ، لذلك وجب أن يكون هذا النظام مقروناً بالضرورات التي أملته0 لذلك كان لسلطة التحقيق أن تفرج عن المتهم في أى وقت سواء كانت قاضي التحقيق أو النيابة العامة فقد نصت المادة 144 من قانون الاجراءات الجنائية علي أن " لقاضي التحقيق في كل وقت سواء من تلقاء نفسه أو بناء علي طلب المتهم أن يأمر بعد سماع أقوال النيابة العامة ، بالافراج المؤقت عن المتهم إذا كان هو الذى أمر بحبسه احتياطياً ، على شرط أن يتعهد المتهم بالحضور كلما طلب ، و بألا يفر من تنفيذ الحكم الذى يمكن أن يصدر ضده . فإذا كان الأمر بالحبس الاحتياطى صادراً من محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة بناء على استئناف النيابة العامة الأمر بالإفراج السابق صدوره من قاضى التحقيق ، فلا يجوز صدور أمر جديد بالإفراج إلا منها " كما نصت المادة 204 من قانون الإجراءات الجنائية على أن " للنيابة العامة الإفراج عن المتهم فى أى وقت بكفالة أو بغير كفالة " حتى ولو كان الحبس الاحتياطى قد جدد من سلطة أخرى بناء على طلبها (41).
والمتهم الذى يجوز الإفراج عنه مؤقتاً هو كل شخص وجه إليه الاتهام بارتكاب جريمة معينه ولو كان ذلك أثناء قيام مأمور الضبط القضائى بمهمة البحث عن الجرائم و مرتكبيها و جمع الاستدلالات التى تلزم لتحقيق الدعوى(42) ويكون قد صدر أمر من السلطة المختصة بحبسه احتياطيا .
ويبين من ذلك ، أنه يجوز الإفراج عن المتهم فى أى وقت إذا زالت الأسباب التى أدت إلى حبسه وأن سلطة التحقيق هى التى تقدر الدواعى المؤدية للإفراج عنه فإذا كانت هذه السلطة هى قاضى التحقيق سواء كان أمر الحبس صادرا منه أو من النيابة العامة اذا كانت باشرت التحقيق ان يتولاه هو ، فيشترط لإصدار أمره بالإفراج المؤقت ، الشروط الآتية :
1- أن يسمع القاضى أقوال النيابة العامة بشأن الإفراج المؤقت عن المتهم .
2- أن يتعهد المتهم بالحضور كلما طلب منه ذلك .
3- أن يتعهد بألا يفر من تنفيذ الحكم الذى يمكن أن يصدر ضده .
4- ألا يكون المتهم محبوساً بناء على سبق صدور أمر من محكمة الجنح المستأنفة ( منعقدة فى غرفة المشورة) بإلغاء أمر الإفراج الصادر من قاضى التحقيق ففى هذه الحالة لا يملك قاضى التحقيق الإفراج مرة ثانية عن المتهم ، ولكن تكون سلطة الإفراج محكمة الجنح المستأنفة .
5- يجب أن يعين المتهم محلاً له فى الجهة الكائن بها مركز المحكمة إن لم يكن مقيماً بها ، و ذلك قبل صدور الأمر بالإفراج عنه ( م 145 إجراءات ) .
24- سلطة محكمة الجنح المستأنفة فى الإفراج
لمحكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة مشورة الإفراج المؤقت عن المتهم فى نفس الأحوال التى تختص فيها بإصدار الأمر بالحبس الاحتياطى او امتداده وتصدر الغرفة أمرها بالإفراج حتى لو لم تكن هى الجهة التى أصدرت امرا بحبسه(43).
25- الإفراج بضمان أو بغير ضمان
عند إصدار أمر الإفراج المؤقت عن المتهم تملك الجهة التى أصدرت الأمر اشترط أن يكون الإفراج عنه بضمان أو بغير ضمان.وقد نصت على ذلك المادة 146 من قانون الإجراءات الجنائية " يجوز تعليق الإفراج المؤقت ، فى غير الأحوال التى يكون فيها واجباً حتماً ، على تقديم كفالة " .
وإذا كان النص يعطى سلطة التحقيق الحق المطلق فى إصدار أمر الإفراج مصحوبا بضمان أو بغير ضمان ، إلا أن الواقع أن سلطة التحقيق تراعى ان يكون الأمر بالإفراج بغير ضمان إذا كانت مبررات الحبس الاحتياطى قد زالت ، وتصدر أمرها بالإفراج مع الضمان إذا كانت مبررات الحبس الاحتياطى لا تزال قائمة و لكن خفت حدتها ، ويمكن أن يحل الحبس الاحتياطى ضمان آخر .
26- تعيين محل فى الجهة الكائن بها مركز المحكمة
اشترط القانون فى حالات الإفراج المؤقت عن المتهم ضرورة ان يعين المتهم محلا له فى الجهة الكائن بها مركز المحكمة حتى يمكن الاتصال به اذا تطلبت مصلحة التحقيق ذلك ، فقد نصت المادة 145 من قانون الإجراءات الجنائية على ان " فى غير الأحوال التى يكون فيها الإفراج واجبا حتما لا يفرج عن المتهم بضمان او بغير ضمان الا بعد ان يعين له محلا فى الجهة الكائن بها مركز المحكمة ان لم يكن مقيما فيها " ولا يشترط فى المحل الذى يعينه المتهم ان يمثل محل إقامة دائم له ، وإنما مجرد مكان يسهل الاتصال به فيه .
27- ضمانات الإفراج المؤقت
الضمان البديل عن الحبس الاحتياطى – فى غير حالات الإفراج الوجوبى – له ثلاث صور ، فإما أن يكون ضماناً شخصياً أو ضماناً مالياً، أو وضع المتهم تحت مراقبة الشرطة وإلزامه بالإقامة فى مكان معين. ويقصد بالضمان الشخصى أخذ تعهد على المتهم بالحضور وعدم الفرار كلما طلب منه ذلك وتعيين المكان الذى يقيم فيه(44) و هذا الضمان لم يرد به نص فى قانون الإجراءات الجنائية ، ولكن جرى عليه العمل ، بل أن العمل جرى على الإفراج بضمان وظيفة المتهم اذا كانت من الوظائف الهامة .
أما الضمان المالى فهو ما يطلق عليه الكفالة(45) . وهذه الكفالة تقدر مبلغها سلطة التحقيق أو محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة حسب الأحوال، على أن يخصص فى الأمر الصادر بتقدير مبلغ الكفالة جزءاً منه ليكون جزاءً كافياً لتخلف المتهم عن الحضور فى أى إجراء من إجراءات التحقيق والدعوى والتقدم لتنفيذ الحكم والقيام بكافة الواجبات الأخرى التى تفرض عليه ويخصص الجزء الآخر لدفع المصاريف التى صرفتها الحكومة ثم العقوبات المالية التى قد يحكم بها على المتهم .
وإذا قدرت الكفالة بغير تخصيص ، اعتبرت ضماناً لقيام المتهم بواجب الحضور والواجبات الأخرى التى تفرض عليه وعدم التهرب من التنفيذ(46) (م 146/2 إجراءات ) و يجوز دفع مبلغ الكفالة من غير المتهم بإيداع المبلغ خزانة المحكمة نقداً كما يجوز قبول الكفالة فى صورة سندات حكومية أو مضمونة من الحكومة ويجوز أن تكون الكفالة شخصية بمعنى أن يتعهد شخص ملئ بدفع المبلغ المقدر للكفالة إذا أخل المتهم بشروط الإفراج و يؤخذ على الكفيل التعهد بدفع الكفالة فى محضر التحقيق أو بتقرير فى قلم الكتاب ويكون للمحضر أو التقرير قوة السند واجب التنفيذ ( م 147 إجراءات ) .
ويجوز للجهة المختصة بالإفراج سواء كانت سلطة التحقيق أو غيرها أن تلزم المتهم – بدل دفع الكفالة – بأن يقدم نفسه لمكتب الشرطة فى الأوقات التى تحددها له فى أمر الإفراج مع الأخذ فى الإعتبار ظروفه الخاصة ، بل إن لهذه السلطة طبقا للمادة 149 إجراءات أن تطلب من المفرج عنه ألا يقيم فى المكان الذى وقعت فيه الجريمة أو أن تحظر عليه إرتياد مكان معين(47) .
ومع ذلك فقد نصت المادة 204 من قانون الإجراءات الجنائية على ان " النيابة العامة أن تفرج عن المتهم فى أى وقت بكفالة او بغير كفالة " .
28- إلغاء أمر الإفراج و إعادة حبس المتهم
اذا صدر أمر بالإفراج عن المتهم ، فلا يجوز إعادة حبسه من جديد وإلغاء أمر الإفراج الصادر بشأنه الا إذا قويت الأدلة ضده بعد أن كانت ضعيفة كما لو ظهر شهود جدد أو ضبطت أشياء متعلقة بالجريمة ، أو كانت الأوراق محالة إلى خبير وورد تقرير الخبير يؤيد ادانته و كذلك إذا أخل بشروط الإفراج المفروضة عليه فى أمر الإفراج ، كما لو كان قد دعى للتحقيق فتخلف عن الحضور دون عذر او أخل بشروط المراقبة الخاصة ( م149) أو وجدت ظروف تستدعى اتخاذ هذا الإجراء ( م 150 إجراءات ) كما لو تبين صدور محاولات منه للتأثير على الشهود أو حاول الهرب ولا يعد من هذه الظروف الرغبة فى صيانة الأمن العام او الخوف من الاعتداء على المتهم او تهدئة الخواطر(48) . ويصدر إلغاء أمر الإفراج وإعادة الحبس من نفس الجهة التى سبق أن أمرت بالإفراج عنه بشرط أن تكون الدعوى لا زالت فى حوزتها وإلا فيكون إلغاء الإفراج من شأن الجهة التى أحيلت إليها الدعوى ، على أنه يجب مراعاة كافة شروط الحبس الاحتياطى قبل إصدار أمر الحبس الجديد بما فيها استجواب المتهم . فقد نصت المادة 150 معدلة بالقانون 145 لسنة 2006 من قانون الإجراءات الجنائية على أن " الأمر الصادر بالإفراج لا يمنع قاضى التحقيق من إصدار أمر جديد بالقبض على المتهم أو بحبسه إذا ظهرت أدلة جديدة ضده أو أخل بالشروط المفروضة عليه ، أوجدت ظروف تستدعى اتخاذ هذا الإجراء ، وذلك مع عدم الاخلال بأحكام المادة 143 من هذا القانون " والمقصود بذلك مراعاة مدد الحبس المنصوص عليها فى المادة 143 .
ويجب أن تراعى محكمة الموضوع فى اصدارها الحبس الاحتياطى نفس هذه القواعد إذا كان المتهم سبق حبسه والافراج عنه من سلطة التحقيق ، فلا يجوز لها أن تصدر أمرا بحبسه إلا إذا قويت الأدلة ضده عند التحقق أو باقى الشروط المنصوص عليها فى المادة 150 من قانون الإجراءات الجنائية . ولا يغير من ذلك النص فى المادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه " لمحكمة الجنايات فى جميع الأحوال أن تأمر بالقبض على المتهم وإحضاره ، ولها أن تأمر بحبسه احتياطيا ، وأن تفرج بكفالة أو بغير كفالة عن المتهم المحبوس احتياطيا " إذ أن النص على أن حكمها يسرى " فى جميع الأحوال " يجب أن يفهم على أنه فى جميع الأحوال التى يسمح بها القانون(49) .
و ليس ما يمنع من إعادة الإفراج عن المتهم بعد إعادة حبسه(50) .
29- مدة الحبس الجديد
لم يبين المشرع فى نص المادة 150 من قانون الإجراءات الجنائية المدة التى يصدر بها أمر الحبس الجديد بعد الإفراج عن المتهم و نرى ان هذا يوحى بأنه يحيل على مدد الحبس التى سبق ان بينها فى الحبس الأول ، و على ذلك تعتبر مدة الحبس الجديدة مكملة لمدة الحبس السابقة و يتحقق بشأنه وجوب الإفراج عند اكتمال هذه المواد(51) بينما ذهب رأى إلى ان أمر الحبس الجديد مستقل عن الأمر السابق و ليس امتداد للأمر السابق(52) .
30- سلطة الحبس و الإفراج بعد إحالة المتهم للمحكمة
نصت المادة 151 من قانون الإجراءات الجنائية على انه " اذا أحيل المتهم إلى المحكمة يكون الإفراج عنه ان كان محبوسا أو حبسه ان كان مفرجا عنه من اختصاص الجهة المحال إليها ، وفى حالة الإحالة إلى محكمة الجنايات ، يكون الأمر فى غير دور الانعقاد من اختصاص محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة و فى حالة الحكم بعدم الاختصاص تكون محكمة الجنح المستأنفة منعقدة فى غرفة المشورة هى المختصة بالنظر فى طلب الإفراج أو الحبس إلى ان ترفع الدعوى إلى المحكمة المختصة " و نصت المادة 380 من قانون الإجراءات الجنائية على انه " لمحكمة الجنايات فى جميع الأحوال ان تأمر بالقبض على المتهم و إحضاره ، ولها ان تأمر بحبسه احتياطيا وان تفرج بكفالة أو بغير كفالة عن المتهم المحبوس احتياطيا "
و يبدو ان هذا النص تريد لنص المادة 151 التى تعطى هذا الحق لجميع المحاكم .
31- الإفراج الوجوبى عن المتهم
يقصد بالإفراج الوجوبى الحالات التى يأمر فيها القانون بالإفراج عن المتهم المحبوس وجوباً ، بمعنى الا يترك أية سلطة تقديرية للجهة القائمة على الحبس الاحتياطى وفى هذه الحالات لا يلزم المتهم بأي شرط من شروط الإفراج المؤقت السابق التحدث عنها ، و كل مخالفة لأمر القانون فى هذه الحالة ينطوى على جريمة حبس إنسان دون وجه حق .
وتتحقق هذه الحالات فضلا عن وصول مدد الحبس الاحتياطى إلى الحد الذى نصت عليه المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 السابق إيضاحها ، فيما نصت عليه المادة 142/2 من قانون الإجراءات الجنائية من أنه " فى مواد الجنح يجب الإفراج حتماً عن المتهم المقبوض عليه بعد مرور ثمانية أيام من تاريخ استجوابه اذا كان له محل إقامة معروف فى مصر وكان الحد الأقصى للعقوبة المقررة لا يتجاوز سنة واحدة ، ولم يكن عائداً و سبق الحكم عليه بالحبس أكثر من سنة " .
ويبين من هذا النص انه يجب الإفراج حتماً عن المتهم اذا توافرت الشروط الآتية مجتمعة ، فلا يكفى توافر بعضها دون البعض الآخر .
1- يجب أن يكون المتهم قد قضى فى الحبس الاحتياطى مدة ثمانية أيام تبدأ من يوم استجوابه السابق على حبسه احتياطياً ، أما المدة التى يكون المتهم قد قضاها مقبوضا عليه من النيابة العامة دون استجواب أو الأربع وعشرين ساعة التى تم احتجازه فيها فى الشرطة فلا تدخل فى الحساب .
2- يجب أن تكون الجريمة المحبوس من أجلها المتهم جنحة ، فإذا كانت جناية فلا يتحقق الشرط .
3- أن يكون الحد الأقصى للعقوبة فى هذه الجنحة لا يزيد على سنة(53) فإن تجاوز الحد الأقصى مدة السنة فلا يتحقق هذا الشرط ، و إنما يكون الإفراج عن المتهم فيها أمراً جوازياً ، حتى لو كان هذا التجاوز لمدة السنة نتيجة وجود ظرف مشدد للجريمة هو الذى رفع عقوبتها إلى أكثر من سنة ، إذ العبرة بالوصف القانونى للتهمة الموجهة للمتهم وما يترتب عليه من حد أقصى .
4- يجب أن يكون للمتهم محل إقامة معروف فى مصر. والمقصود بمحل الإقامة أن يكون له سكن دائم فى مصر و يثبت وجود محل إقامة للمتهم بكافة طرق الإثبات للمحقق سواء بتقديم بطاقة شخصية أو عائلية مثبت فيها محل الإقامة أو بغيرها من وسائل الإثبات .
5- يجب ألا يكون المتهم المحبوس عائداً للجريمة بسبب حكم قضى عليه بالحبس لمدة تزيد على سنة ويقع عبء إثبات ان المتهم عائد على عاتق النيابة العامة لان الأصل ان المتهم لا سوابق له ، و معلوم ان المتهم لا يملك إجبار إدارة تحقيق الشخصية على إرسال صحيفة سوابقه دون تأخير ، و لذلك ألزمت التعليمات العامة للنيابة أعضاء النيابة بطلب صحيفة سوابق المتهم عند إصدار الأمر بحبسه ( بند 60 من تعليمات النيابة العامة عن قانون الإجراءات الجنائية) ولذلك لا يجوز ان يتأخر الإفراج عن المتهم بسبب عدم ورود صحيفة سوابقه لاى لسبب لا يد له فيه و طبقاً للمادة 49 من قانون العقوبات يمكن أن يعتبر الشخص عائداً اذا كان قد حكم عليه بالحبس سنة أو أكثر ، ومن هنا فإن الإفراج يكون وجوبياً حتى ولو كان المتهم عائداً ما دام لم يسبق الحكم عليه بالحبس أكثر من سنة ولا فرق فى ذلك بين العود البسيط و العود المتكرر .
وغنى عن البيان أن الإفراج يكون وجوبيا اذا انقضت مدة الحبس السابق صدور أمر بها دون أن تجدد من السلطة المختصة ، أو إذا بلغت مدة الحبس الحد الأقصى المنصوص عليه فى المادة 143 إجراءات جنائية ، وكذلك حالة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى ، أو صدور حكم ببراءة المتهم ولا يجوز تعليق الإفراج الوجوبى على الكفالة ، أو تكليف المتهم بأى بديل من بدائل الحبس .
32- صدور الأمر بالإفراج الوجوبى
اذا تحقق موجب الإفراج الوجوبى سواء لاستنفاد الحد الأقصى لمدد الحبس الاحتياطى التى نصت عليها المادة 143 من قانون الإجراءات الجنائية المعدلة بالقانون رقم 145 لسنة 2006 ، أو لتحقق حالة المادة 142/2 من قانون الإجراءات الجنائية ، و الدعوى فى مرحلة التحقيق ، تلتزم النيابة العامة بإصدار الأمر بالإفراج عن المتهم ، فإذا كانت الدعوى فى مرحلة المحاكمة ، تلتزم المحكمة بإصدار أمرها بالإفراج عن المتهم خاصة فى حالة ما اذا كان المتهم قد أمضى فى الحبس مدة مساوية لمدة الحد الأقصى لعقوبة الجريمة التى حبس من أجلها ، وهى حالة و ان لم يرد بها نص قانونى الا إنها التطبيق الطبيعى لقواعد العدالة وقواعد خصم مدة الحبس الاحتياطى من مدة العقوبة التى سيقضى بها ، وفى حالة حجز الدعوى للحكم تعيد الدعوى للمرافعة و تأمر بالإفراج عن المتهم، وإذا كانت الدعوى أمام محكمة الجنايات فى غير دور الانعقاد تلتزم غرفة المشورة بإصدار هذا الأمر ، و نصت المادة 204 إجراءات جنائية على أن " للنيابة العامة أن تفرج عن المتهم فى أى وقت بكفالة أو بغير كفالة " .
ولا يتعارض ذلك مع ما نصت عليه المادة 151 إجراءات جنائية من أنه " اذا أحيل المتهم إلى المحكمة يكون الإفراج عنه ان كان محبوسا أو حبسه ان كان مفرجا عنه من اختصاص الجهة المحال إليها " لان هذا النص مقصود به حالة الإفراج الذى يحتاج إلى سلطة تقديرية ، أما الإفراج الوجوبى فهو ملزم لجميع السلطات و خاصة النيابة العامة التى أوجب القانون عليها التحقق من عدم وجود اى شخص محبوس بصفه غير قانونية ، فقد نصت المادة 43/2 من قانون الإجراءات الجنائية على انه " لكل من علم بوجود محبوس بصفه غير قانونية او فى محل غير مخصص للحبس ان يخطر احد أعضاء النيابة العامة – وعليه بمجرد علمه ان ينتقل فورا إلى المحل الموجود به المحبوس وأن يقوم بإجراء التحقيق وأن يأمر بالإفراج عن المحبوس بصفه غير قانونيه – وعليه ان يحرر محضرا بذلك " فإذا تبين عضو النيابة وجود محبوس بصفه غير قانونية ، بسبب إنها حالة من حالات الإفراج الوجوبى و كان ذلك بسبب صدور أمر من محكمة بحبسه ، فهو أما ان يفرج عن المتهم ، أو فى أقل القليل ، يأمر بعرض المحبوس على المحكمة التى أمرت بحبسه طالبا منها إصدار أمرها بالإفراج عنه .
وقد ذهب بعض العلماء إلى انه لا يجوز إعادة حبس المتهم بعد الإفراج عنه إفراجا وجوبيا(54) و يستثنى البعض من هذه الحالة ، حالة سقوط الحبس الأول لعدم التجديد فى الميعاد مما أوجب الإفراج ، فيجيزون إعادة حبس المتهم فى هذه الحال اذا توافرت أسباب الحبس(55) و يرى علماء آخرون عدم جواز إعادة الحبس بعد الإفراج الوجوبى الا فى حالة ما اذا كان سبب الإفراج الوجوبى هو صدور قرار بان لا وجه لإقامة الدعوى ثم ظهرت دلائل جديدة تستدعى إلغاءه والعودة إلى التحقيق ، فعندئذ يمكن العدول عن أمر الإفراج و إعادة حبس المتهم احتياطيا(56) وهو ما نؤيده لان مبرر إعادة الحبس فى هذه الحالة هو ذهاب مبرر الإفراج الوجوبى السابق.
33- تحول الحبس الاحتياطى إلى حبس تنفيذى
اذا ما قضى المتهم مدة الحبس الاحتياطى ثم تمت محاكمته و حكم عليه بعقوبة مقيدة للحرية أو بالغرامة فان المدة التى قضاها المتهم فى الحبس الاحتياطى والقبض تخصم من مدة العقوبة المحكوم بها و ينفذ عليه باقى المدة(57) ، فتنص المادة 482 إجراءات جنائية على أن " تبتدئ مدة العقوبة المقيدة للحرية من يوم القبض على المحكوم عليه بناء على الحكم الواجب التنفيذ مع مراعاة إنقاصها بمقدار مدة الحبس الاحتياطى ومدة القبض " و الواقع أن هذا الحكم تقرر مراعاة لاعتبارات العدالة فقط ، إذ الأصل أن الحبس الاحتياطى أو القبض ليس عقوبة ، ولكنها فى حقيقة الواقع سلب لحرية الشخص شأنهما فى ذلك شأن العقوبة السالبة للحرية من هنا اقتضت العدالة أن يتم خصمها منها تأسيساً على اعتبار أن الحبس الاحتياطى يمكن أن يعد تنفيذاً احتياطياً للعقوبة التى قد يحكم بها(58) و على ذلك يتحول الحبس الاحتياطى إلى حبس تنفيذى .
وخصم مدة الحبس الاحتياطى يكون من العقوبات السالبة للحرية التى يحكم بها على الشخص و كذلك من عقوبة الغرامة التى يحكم بها أيضاً فقد نصت المادة 23 من قانون العقوبات بعد تعديلها بالقانون رقم 174 لسنة 1998 على أنه " إذا حبس شخص احتياطيا و لم يحكم عليه الا بغرامة وجب أن ينقص منها عند التنفيذ خمسة جنيهات عن كل يوم من أيام الحبس المذكور ، وإذا حكم عليه بالحبس والغرامة معاً وكانت المدة التى قضاها فى الحبس الاحتياطى تزيد على مدة الحبس المحكوم به وجب أن يخصم من الغرامة المبلغ المذكور عن كل يوم من أيام الزيادة المذكورة "(59) و قد نصت المادة 484 إجراءات جنائية على أنه " إذا تعددت العقوبات المقيدة للحرية المحكوم بها على المتهم فيكون استنزال مدة الحبس الاحتياطى من العقوبة الأخف أولاً " فإذا كان قد حكم عليه بالحبس سنة و بالسجن ثلاث سنوات و كان قد حبس احتياطيا سنة و ستة أشهر فتستنزل مدة الحبس الاحتياطى من الحبس أولاً بمعنى انه يعتبر انه قد نفذ مدة الحبس سنة المحكوم بها عليه ثم تستنزل مدة الستة أشهر الباقية من مدة الثلاث سنوات سجن المحكوم فيها فلا يقضى منها سوى سنتين و نصف فقط .
34- تحول الحبس الاحتياطى إلى حبس تنفيذى لجريمة أخرى
قد يحدث أن يحبس متهم فى جريمة معينه مدة من الزمن حبسا احتياطيا ثم يحكم ببراءته من هذه الجريمة(60) ثم يتبين انه كان قد ارتكب جريمة أخرى ، لم يحبس احتياطيا بسببها ، ثم يصدر حكم بإدانته فيها ويحكم عليه بعقوبة الحبس فهل يجوز خصم مدة الحبس الاحتياطى التى قضاها على ذمة الجريمة التى حكم ببراءته منها من مدة الحبس التى حكم بها عليه فى الجريمة الأخرى التى لم يكن قد حبس احتياطيا من أجلها ؟ هذا ما أجابت عنه المادة 483 إجراءات جنائية بنصها على أنه " يجب خصم مدة الحبس الاحتياطى من المدة المحكوم بها فى أى جريمة أخرى يكون قد ارتكبها أو حقق معه فيها فى أثناء الحبس الاحتياطى " .
واشتراط أن تكون الجريمة الأخرى قد ارتكبت أو حقق معه فيها أثناء الحبس الاحتياطى حتى يمكن خصم مدة الحبس الاحتياطى من العقوبة المحكوم بها فى تلك الجريمة فيه تضييق غير مبرر لأنه اذا كانت علة عدم خصم مدة الحبس الاحتياطى من عقوبة جريمة سوف يرتكبها المتهم مفهومه و هى عدم التشجيع على ارتكاب الجرائم اعتمادا على أن له رصيدا من الحبس سوف يخصم مما يحكم به عليه فانه من غير المفهوم حرمان المتهم من خصم مدة الحبس الاحتياطى من عقوبة يحكم عليه بها بشأن جريمة وقعت منه قبل حبسه الاحتياطى لمجرد أنه لم يحقق معه بشأنها فى مدة الحبس الاحتياطى . وهو أمر يجافى العدالة . ذلك أن التحقيق مع المتهم فى هذه الجريمة أو عدم التحقيق معه فيها أثناء مدة الحبس الاحتياطى ، أمر لا يد له فيه و لكنه بيد سلطة التحقيق(61) وبذلك يكون النص قد جعل من التحقيق فى تلك الجريمة أثناء الحبس الاحتياطى مناطا لأمر ليس هو المناط فيه .
والجهة المختصة بمراعاة إجراء خصم مدة الحبس الاحتياطى من المدد المحكوم بها هى النيابة العامة بوصفها الجهة القائمة على تنفيذ الأحكام الجنائية و اذا ثار خلاف بين النيابة العامة و المحكوم عليه حول خصم مدة الحبس الاحتياطى و بالتالى تاريخ الإفراج عنه ، فإن الفصل فيه يكون للجهة التى أصدرت الحكم حتى لا تكون النيابة خصما و حكما(62) .
35- تحول الحبس التنفيذى إلى حبس احتياطى
قد يحدث أن يحكم على متهم بالحبس أو السجن كعقوبة لجريمة ارتكبها ثم يلغى هذا الحكم عند الطعن فيه بطريق النقض ، و تأمر محكمة النقض بإعادة محاكمته أمام دائرة أخرى محاكمة صحيحة عندئذ يكون المتهم قد قضى فى الحبس مدة العقوبة السابق الحكم بها عليه او جزء منها بالحكم الذى ألغى بمعرفة محكمة النقض . فما حكم هذه المدة عند إعادة محاكمته من جديد ؟
لاشك ان مدة الحبس التى قضاها تنفيذا للحكم الملغى تصبح بغير سند قانونى بعد إلغاء هذا الحكم .ولكن العدالة تأبى أن تضيع على المتهم مدة الحبس التى قضاها بسبب لا يد له فيه هو مخالفة الحكم الذى قضى بها للقانون ولذلك ، فإن مدة الحبس التى قضاها تنفيذا للحكم الملغى تتحول بقوة القانون إلى حبس احتياطى على ذمة هذه القضية ذلك أن الحبس الذى قضاه المحكوم عليه يفقده سنده القانونى كحبس تنفيذى بإلغاء الحكم الذى كان ينفذه و لكنه يتحول إلى إجراء آخر تتوافر فيه شروطه القانونية و هو الحبس الاحتياطى اى تعامل هذه المدة كما لو كانت قد أمر بها على هذا المتهم كحبس احتياطى فى انتظار الحكم الذى يصدر فى المحاكمة الجديدة ، و تطبق عليها جميع أحكام الحبس الاحتياطى من حيث المدة ومن حيث الخصم من العقوبة التى سيحكم بها عليه ، فمثلا لو كان الحكم قد صدر على المتهم بعقوبة الحبس ثلاث سنوات تم تنفيذها عليه ثم نقض الحكم و أعيدت محاكمته من جديد ، فلا يجوز للمحكمة الجديدة أن تبقيه فى الحبس الاحتياطى مدة نزيد على هذه المدة اذا كان الحكم قد ألغى بناء على طعن المتهم ، ولا مدة تزيد على الحد الأقصى للعقوبة اذا كان الحكم قد ألغى بناء على طعن النيابة العامة و تخضع لنفس القاعدة حالة من يقضى فى الحبس مدة تنفيذ حكم قضائى من الأحكام واجبة التنفيذ تنفيذا معجلا " كالحبس فى سرقة " ثم يقضى استئنافيا بإلغائه أو فى أقل القليل بتخفيض مدة العقوبة المحكوم بها، فتتحول مدة الحبس التنفيذى الذى قضاه المحكوم عليه إلى حبس احتياطى ، فيتم خصم هذه المدة من مدة الحبس التى يكون قد قضى بها عليه من أجل جريمة أخرى(63) .
36- الإفراج عن المتهم بعد نقض الحكم
يثور التساؤل هل يتعين الإفراج عن المتهم بعد نقض الحكم الذى أدانه اذا كان أمر الحبس صادرا من المحكمة التى نقض حكمها ؟؟ القاعدة أن هذا الأمر يرجع فيه إلى حالة المتهم التى قدم بها من النيابة العامة للمحاكمة الأولى فان كان قد قدم محبوسا لا يفرج عنه بنقض الحكم ويظل على حاله إلى حين عرضه على محكمة الإعادة وان كان المتهم قد قدم للمحاكمة الأولى مفرجا عنه بقرار من سلطة الاتهام , فيجب الإفراج عنه فوار بعد نقض حكم الإدانة وذلك كي يقدم إلى المحاكمة الثانية بنفس الحالة التي كان عليها عند تقديمه للمحاكمة الأولى , ولا يغير من ذلك ماهو مقرر من أن نقض الحكم مع إعادة المحاكمة يعيد الدعوى إلى محكمة الإعادة بالحالة التي كان عليها قبل صدور الحكم المنقوض , لان هذا الأصل المقرر لا يتناهى إلى الإجراءات التحفظية التى هي موقوتة بطبيعتها إلى حين صدور الحكم ممن أمر بها في موضوع الدعوى ولامشاحة في أن ملاك الأمر فيها يرجع أولا وأخيرا إلى محكمة الإعادة وحدها تتخذ فيها ما تراه مناسبا طبقا لحالة المتهم كما عرضتها سلطة الاتهام(64)0
وقد يحال المتهم إلى المحاكمة مع أمر من النيابة بالقبض عليه ولكن ينفذ هذا الأمر لمدة أكثر من 6 شهور فيسقط أمر القبض ويعد محالا للمحاكمة غير مقبوض عليه أى مفرجا عنه ثم يصدر أثناء المحاكمة أمر من المحكمة بالقبض عليه فينفذ هذا الأمر ويتم القبض عليه فعلا وتتم محاكمته , ثم يصدر حكم من محكمة النقض بنقض الحكم الذي صدر ضده فهذا الحكم من محكمة النقض يسقط الأمر الصادر من محكمة الموضوع بالقبض عليه بمجرد صدور حكم محكمة النقض بنقض هذا الحكم على النحو السابق إيضاحه وعند إعادة محاكمته يتعين الإفراج عنه فورا إلى أن تأمر المحكمة التي تعيد محاكمته باتخاذ ما تراه في شأنه(65)0
37- التعويض عن الحبس الاحتياطي التعسفى(66)
قد ينتهي التحقيق الذي أجرى مع المتهم الذي قضى فترة من الزمن في الحبس الاحتياطي إلى إصدار أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى , أو إصدار حكم من المحكمة ببراءته , أو بالحكم عليه بالحبس مع وقف التنفيذ !! وليس من شك في انه يكون قد ترتبت على حبسه احتياطيا أضرار بالغة له , فليس اعز على النسان من حريته التي يسلبها منه أجراء الحبس , فوق الإساءة البالغة لسمعة المحبوس , فضلا عن الأضرار المادية التي تترتب على تعطيل أعماله فترة حبسه , فثار البحث حول امكانية تعويض المحبوس عن هذه الأضرار 0
وقد أصدرت بعض الدول فعلا تشريعات تجيز الحكم بتعويض المحبوس احتياطيا في هذه الحالات(67) من ذلك القانون الفرنسي الصادر في 17 يولية سنة 1970 (المادتان 149 و150 من قانون الإجراءات الجنائية الفرنسي ) فقد نص على حق التعويض لمن كان محلا للحبس الاحتياطي إذا انتهى التحقيق إلى قرار بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية أو قضى بالبراءة بحكم بات ولكنه لا يسرى في حالة الحكم بالإدانة مع وقف التنفيذ لأن حكم إيقاف التنفيذ لا يسرى إلا على المدة المستقبلة من الحبس , ولا يحكم ما سبق تنفيذه من حبس احتياطى 0 فضلا عن ضرورة إصابة المحبوس بضرر ظاهر أنه غير عادى وعلى درجة كبيرة من الخطورة واستلزام هذا الشرط جعل تطبيقه العملي أمرا محدودا ومع ذلك فتناول الصحافة لبعض القضايا جعل القضاء يحكم بهذا التعويض(68) .
وجعل المشرع الفرنسي الاختصاص بنظر التعويض عن الحبس الاحتياطي لهيئة مكونة من ثلاثة من مستشاري محكمة النقض يختارون سنويا بمعرفة هذه المحكمة, كما تضم الهيئة عضوا من أعضاء نيابة النقض(69) وعلى طالب التعويض أن يقدم طلبا فى خلال ستة أشهر من تاريخ صدور الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى أو صيرورة حكم البراءة باتا , ثم تحدد جلسة في غرفة المداولة يسمع فيها الطالب ومبررات طلبه 0 ويصدر قرار هذه الهيئة بغير تسبب , ولا يقبل الطعن أمام أية جهة من جهات الطعن المتاحة ضد الأحكام القضائية , ولا تلك الجهات المقررة للطعن في القرارات الإدارية فإذا صدر الأمر بالتعويض فإن الدولة هي التي تتحمل دفع هذا التعويض كنوع من نفقات العدالة الجنائية0
وفى مصر لا يوجد تشريع خاص يقر تعويض المحبوس احتياطيا حبسا تعسفيا عن الأضرار التي أصابته من هذا الحبس , ولم تصدر أحكام قضائية بهذا التعويض 0 وينتقد الفقه في مصر هذا الوضع على أساس أن القواعد العامة للقانون لا تحول دون الحكم بهذا التعويض , فمن سبل حماية حق الفرد في الحرية , تقرير الحق للمتهم الذي صدر حكم ببراءته أو أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى ، في الحصول على تعويض عن الأضرار التي أصابته من جراء حبسه احتياطيا(70) ونرى ضرورة صدور تشريع ينظم حق المتهم في التعويض المادي عن حبسه احتياطيا بدون وجه حق , كما هو الحال في التشريعات المتحضرة0
وأخيرا , تدخل المشرع في مصر بالقانون رقم 145 لسنة 2006 أضاف إلى قانون الإجراءات الجنائية مادة جديدة برقم 312 مكررا قرر فيها مبدأ التعويض الأدبى عن الحبس الاحتياطي فنصت على أن :" تلتزم النيابة العامة بنشر كل حكم بات ببراءة من سبق حبسه احتياطيا , وكذلك كل أمر صادر بأن لا وجه لإقامة الدعوى الجنائية قبله في جريدتين يوميتين واسعتى الانتشار على نفقة الحكومة ويكون النشر في الحالتين بناء على طلب النيابة العامة أو المتهم أو احد ورثته , وبموافقة النيابة العامة في حالة صدور أمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى 0 وتعمل الدولة على أن تكفل الحق في مبدأ التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي في الحالتين المشار اليهما في الفقرة السابقة وفقا للقواعد والإجراءات التي يصدر بها قانون خاص " .
وبذلك يكون المشرع المصري اكتفى بالتعويض الأدبى المتمثل في نشر حكم البراءة أو الأمر بأن لا وجه لإقامة الدعوى , وان كان النص الجديد قد طالب الدولة بأن تكفل الحق في التعويض المادي عن الحبس الاحتياطي , وهو ما ندعو المشرع إلى الإسراع في تقريره بتشريع مستقل 0
38- سلطة الأمر بالمنع من السفر(71)
جرى العمل على أن يصدر النائب العام أو قاضى التحقيق أمرا بمنع بعض المتهمين من السفر كإجراء احتياطي(72) إلا أن هذا الأمر ليس له سند من القانون 0
فلا يعد اجراء تحقيق ولو كان صادرا بشأن تحقيق جنائي لأن الإجراءات الجنائية محكومة بقاعدة الشرعية الجنائية خاصة إذا كانت مقيدة للحرية وهذه القاعدة تفرض أن يكون لكل اجراء جنائي سنده من القانون0
وقد خلا قانون الإجراءات الجنائية وكل قانون آخر من نص يخول النائب العام أو المحقق بصفة عامة سلطة منع أى مواطن من السفر , فقرارات النائب العام بمنع أى شخص من السفر تفتقر إلى السند التشريعي ولذلك فإن الذي يحدث أن النائب العام بعد أن يصدر أمره بالمنع من السفر يرسل الأوراق إلى وزارة الداخلية ليصدر به قرار منها , وقد نظم وزير الداخلية بقرار منه إجراءات المنع من السفر فنص القرار رقم 2214 لسنة 1994 بشأن تنظيم قوائم المنوعين من السفر على الجهات التي يجوز لها طلب المنع من السفر ومن بينها المحاكم والنائب العام والمدعى العام الاشتراكي 000 الخ وتضمن قرار وزير الداخلية تفويض الإدارة العامة للجوازات والجنسية النظر فيما ما يرد لها من طلبات الجهات الاشتراكي 000 الخ وتضمن قرار وزير الداخلية تفويض الإدارة العامة للجوازات والجنسية النظر فيما ما يرد لها من طلبات الجهات التي حددها , كما انشأ لجنة للنظر في التظلمات التي ترد إليها من قرارات المنع من السفر , وبذلك يكون قرار النائب العام بالمنع من السفر مجرد طلب منه إلى وزير الداخلية ويكون القرار القانوني بالمنع من السفر صادرا من وزير الداخلية وليس من النائب العام لان الوزير يملك أن يستجيب أو لا يستجيب لطلب النائب العام في هذا الشأن , ولو كان للنائب العام الحق في المنع من السفر لما كان لجهة الإدارة سلطة تقديرية في هذا الطلب بينما جعلت المادة(3) من ذات قرار وزير الداخلية (بعد أن بينت المادة الأولى الجهات التي يجوز لها التقدم بهذه الطلبات ) سلطة البت في هذه الطلبات لمدير مصلحة وثائق السفر فنصت على أن توجه طلبات الأدراج على القوائم والرفع منها إلى مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية من ذات جهات الأدراج المبينة في المادة الأولى من هذا القرار وبذات القيود الواردة بها وتسلم هذه الطلبات إلى مدير إدارة القوائم بالمصلحة لاتخاذ اللازم نحوها ، ونصت في فقرتها الثانية على أن " ويكون لمدير مصلحة وثائق السفر والهجرة والجنسية النظر في طلبات القيد بقوائم الممنوعين من مغادرة البلاد أو من الدخول إليها أو من الرفع من القوائم والبت فيها " وبهذا الحسم فان مدير مصلحة وثائق السفر هو صاحب السلطة النهائية في البت في هذه الطلبات وليس مقدموا الطلبات , وبالتالي يكون التكييف القانوني لقرار المنع من السفر هو انه قرار إدارى صادر من وزير الداخلية يقبل الطعن عليه أمام القضاء الادارى حتى ولو كان صادرا بناء على طلب النائب العام مادام يخضع في النهاية لتقدير وزير الداخلية(73) 0
ولا يغير من ذلك الوضع القانوني ما ورد في المادة 41 من الدستور من النص على أن " المنع من التنقل لا يكون إلا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة امن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة , وذلك وفقا لأحكام القانون " ذلك أنه من المقرر انه متى أحال الدستور لأعمال حكمه على صدور تشريع فلابد من انتظار صدور هذا التشريع وهذا ما عليه العلم والقضاء فقضت محكمة النقض بأن الأمر الصادر من القاضي بمنع الطاعن من السفر دون أن يكون هناك قانون ينظم ذلك مخالف للقانون , وذلك في واقعة تتحصل في أن أحد البنوك استصدر أمرا وقتيا قضائيا بمنع أشخاص من السفر بسبب مديونياتهم للبنك فقضت محكمة النقض بإلغاء هذا الأمر(74) كما ذهب علماء القانون إلى أنه في الحالات التي تطلب فيها الدستور صراحة " صدور قانون لتنظيم موضوع معين فانه يمتنع على أعضاء السلطة الإدارية تنظيم مثل هذا الموضوع بقرارات تصدر منهم 0 فإذا صدرت منهم مثل هذه القرارات , فإنها تكون معدومة لاعتداء السلطة الإدارية على المجال الذي جعله الدستور من الاختصاص المطلق للسلطة التشريعية , والذي لا يجوز لأى سلطة أخرى أن تتدخل فيه0 ويختلف الحكم في الحالات الأخرى التي اكتفى فيها المشرع الدستورى بتطلب استناد التصرف الذي تقوم به جهة الإدارة إلى قانون سابق , أو أن يتم ذلك التصرف متفقا مع الشروط التي تطلبها القانون فلا يجوز للسلطة الإدارية أن تتخذ مثل هذه التصرفات إلا إذا صدر القانون الذي يخولها هذا الحق, بحيث إذا صدر التصرف منها قبل صدور القانون , فانه يصير لذلك تصرفا معدوما , لأنها تكون بذلك قد تدخلت في عمل من اختصاص السلطة التشريعية وحدها 0 إما إذا كان القانون قد صدر , واتخذت السلطة الإدارية التصرف بالتطبيق له , ولكنها خالفت بصدد التصرف بعض الشروط التي نص عليها القانون , فإنها لا تكون بذلك قد خرجت على القاعدة العليا في الدولة , وتعد قراراتها – بناء على ذلك – قرارات باطلة فحسب(75)0
ولم تتخلف محكمة القضاء الادارى عن هذا المفهوم القانوني القضائي الفقهي السليم فقضت بتاريخ 23 نوفمبر 1999 بأن " الدستور عهد إلى قانون تصدر طبقا له الأوامر القضائية بالمنع من التنقل أو السفر على نحو ما ورد بالمادة 41 من الدستور أو بقانون ينظم الحق في الهجرة ومغادرة البلاد على ما جاء بالمادة 52 من الدستور(76) وأضافت المحكمة في حكم أخر وكان الأصل انه إذا ما قرر الدستور حقا عاما أو حرية عامة وأناط تنظيم استعمال هذا الحق أو ممارسة تلك الحرية بقانون ، فانه يلزم أن يكون ذلك القانون خاضعا لهيمنة الحكم الدستوري فلا يتغول عليه أو ينتقص منه(77)0
وأخيراً وفى حكم حديث جدا توجت المحكمة الدستورية العليا هذا القضاء بعدم دستورية نص المادة 8 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر , فيما تضمنه من تخويل وزير الداخلية بموافقة وزير الخارجية سلطة تحديد شروط منح جواز السفر , وكذلك عدم دستورية نص المادة 11 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون المشار إليه وبذلك لم يعد وزير الداخلية يملك سلطة منع أحد من السفر وسقطت كل قراراته الصادرة بتنظيم المنع من السفر , وأصبح هناك فراغ تشريعي في هذا الشأن ، وقالت المحكمة تبريرا لقضائها " إن الدستور بنصه في المادة 41 على أنها ( الحرية) مصونة ولا يجوز المساس بها " وفيما عدا حالة التلبس لا يجوز القبض على أحد أو 00 أو منعه من التنقل الا بأمر تستلزمه ضرورة التحقيق وصيانة أمن المجتمع ويصدر هذا الأمر من القاضي المختص أو النيابة العامة , وذلك وفقا لأحكام القانون " دل بذلك على أن حرية الانتقال تنخرط في مصاف الحريات العامة , وأن تقييدها دون مقتض مشروع , إنما يجرد الحرية الشخصية من بعض خصائصها , ويقوض صحيح بنياتها , وقد عهد الدستور بهذا النص إلى السلطة التشريعية دون غيرها بتقدير هذا المقتضى , ولازم ذلك, أن يكون تعيين شروط إصدار وثيقة السفر بيد هذه السلطة , والأصل فيها هو المنح, إستصحابا لأصل الحرية في الانتقال , والاستثناء هو المنع , وأن المنع من التنقل لا يملكه إلا قاض , أو عضو نيابة عامة , يعهد إليه القانون بذلك دون تدخل من السلطة التنفيذية 000 ومقتضى هذا أن الدستور لم يعقد للسلطة التنفيذية اختصاصا ما بتنظيم شئ مما يمس الحقوق التي كفلها الدستور فيما تقدم , وأن هذا التنظيم يتعين أن تتولاه السلطة التشريعية بما تصدره من قوانين 000 وحيث أن نصي المادتين 8 و 11 من قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 97 لسنة 1959 في شأن جوازات السفر بما تضمناه من تفويض وزير الداخلية في تحديد شروط منح جواز السفر. وتخويله سلطة رفض منح الجواز أو تجديده , وكذا سحبه بعد إعطائه , وإنما يتمخض عن تنصل المشرع من وضع الأسس العامة التي تنظم موضوع جوازات السفر بأكمله على الرغم من كونها الوسيلة الوحيدة لتمكين المواطن من مغادرة بلده والرجوع إليه , وارتباط ذلك ارتباطاً وثيقاً بالحقوق التي يكفلها الدستور في المواد 41 و50 و51 و52 , ومن ثم فان مسلك المشرع في هذا الشأن يكون مخالفا للدستور" (78).
وبذلك تكون المحكمة الدستورية العليا قد أكدت على أن المنع من السفر استثناء ، وأن هذا الاستثناء الذي يملكه القاضي أو عضو النيابة العامة لابد من أن يكون هناك قانون يعهد إليه بذلك ومما يؤكد هذا ويقطع في أن النائب العام ليس له سلطة المنع من السفر دون أن يصدر تشريع يعهد إليه بذلك ويضع لها تنظيما يمكن ممارستها من خلاله ، أن المشرع قد أصدر قانونا(79) بعد صدور الدستور اختص بالمنع من السفر جهة معينة غير النائب العام راعى فيه جليا ما سبق أن نبهت إليه محكمة القضاء الادارى من ضرورة وجود تنظيم دقيق للحق في حرية التنقل يتلاءم وسمو هذا الحق وبضمانات تليق به ، فنص المشرع على منح المدعى الاشتراكي وحده مجرد حق طلب المنع من السفر ووضع تنظيما بموجبه فرض على المدعى الاشتراكي أن يعرض طلبه على مستشار منتدب من محكمة القيم وهذا الأخير هو الذي له سلطة مؤقتة في إصدار الأمر بالمنع من السفر كما ورد بالقانون النص على ضمانة هامة هي أن يعرض الأمر بالمنع من السفر على محكمة القيم خلال ثلاثين يوما , وهى التي تفصل نهائيا في الأمر ، فنصت المادة 23 من القانون رقم 95 لسنة 1980 بإصدار قانون حماية القيم من العيب على أن " للمدعى العام الاشتراكي أن يطلب إلى المستشار المنتدب طبقا لحكم المادة 19 من هذا القانون إصدار أمر بمنع الشخص من مغادرة البلاد إذا اقتضت ذلك ظروف التحقيق . وعلى المدعى العام الاشتراكي أن يعرض الأمر والأسباب التي بنى عليها خلال ثلاثين يوما من تاريخ إصداره على محكمة القيم وإلا اعتبر الأمر كأن لم يكن. وعلى المحكمة أن تنظر فيه خلال خمسة عشر يوما من تاريخ عرض الأمر عليها بعد إعلان المطلوب إصدار الأمر ضده, وتصدر المحكمة قرارها إما بإلغائه أو بتعديله أو باستمراره " هذا هو التنظيم التشريعي الذي أوجبه الدستور , ولو أرد المشرع أن يعطى الحق نفسه للنائب العام أو لأية جهة أخرى ما أعوزه النص على ذلك.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق